في العهد القديم، مفهوم البكورية أن الابن البكر يرث الحكمة والنبوة، وعيسو ويعقوب كانوا إخوات توأم من نسل إسحاق ورفقة، لكن عيسو الصياد كان أكبر من يعقوب ويستحق البكورية، لكن تزوج من بنت كنعانية وحب الصيد، يعقوب المفضل لأمه، فخدعوا إسحاق وأخدوا البكورية منه، ولما رجع عيسو من الصيد لقى اللي حصل فكره يعقوب.
إذًا.. لماذا يكره عيسو يعقوب؟ لأن الله يحب يعقوب ويبغض عيسو.
ودا جزء متأصل من الاقتناع التام إن الشعب مكروه لأنهم الأقرب إلى الله، وباقي الشعوب بتغير منهم وبتكرههم، بلا أي مبرر وعشان كدا دايمًا عايشين في “دور الضحية”، بيفتعلوا على “كونهم دايمًا ضحية” أيدولوجية راسخة في فكرهم، ولولا التعاطف الغربي التعويضي عما صدر منهم تجاههم في الماضي ما اتوجدوا أبدًا عندنا، ودا مطب كبير في إدانتهم، لأنهم لو أدانتهم بيفضل نعيد حقبة الأربعينيات تاني.
دا بالنسبة إلى العقيدة الشعبية، قايمين نايمين على أنهم دايمًا ضحية ودايمًا بيدافعوا عن نفسهم ودايمًا الناس هيّا اللي جاية عليهم وهما عايزين يعيشوا في أرضهم اللي “الرب ورثها ليهم” في سلام.
ارجع معايا لما قبل أحداث شهر ١٠ اللي فات، المشهد السياسي جوا وبرا كان غريب جدًا، ولازم نشرح نقطة مهمة جدًا عشان تفهم الداخل عامل إزاي.
إسرائيل والانقسامات الداخلية
النسيج المجتمعي عندهم مقسوم ما بين أكثر من أربعين جماعة بهوية صغيرة عايشين في وهم الاستحقاقية وشيطنة العرب والكل جي علينا والماشيخ زمانه جي، وليبراليين عايزين يعيشوا على النمط الغربي اللي جايين منه زي حكومة ديمقراطية ودولة وانتخابات وقانون بمشي على الكل، يعني لو بصيت هتلاقي مثلًا ملايين الروس اللي مش مؤمنين أصلًا بس مهاجرين من التسعينيات هربًا من تفكك الاتحاد السوفييتي عشان يشكلوا كتلة اجتماعية ويعملوا عدد، ودول ليهم أصوات، وعايزين ديمقراطية، واليمين المحافظين ليهم عددهم برضو.
يعني المسار “قيادة ناس ليبراليين” معتدلين إلى حد ما وعايزين قانون وديمقراطية، واليمين بقيادة أمثال “بن غفير” اللي عايز يسلح المدنيين أصلًا ملهومش في القصص دي، وعايشين على وهم المملكة الكبرى وإحنا أسياد العالم والباقي شوية حشرات وبتاع، حلو؟
معسكر أقصى اليمين الإسرائيلي
قبل الأحداث دي كلها، انتخابات رئاسة الوزراء عندهم أخدت أربع دورات فاشلة، كل ما حزب يجمع أصوات، الأصوات متكفيش لبناء حكومة وتفشل الانتخابات.
لحد ما رئيس الوزراء الحالي يلاقي نفسه متهم في قضايا فساد وترجيح غير مشروع، يعني لو ساب الكرسي هيتحبس، والحل الوحيد عنده أنه يفضل في الحكم لأطول مدة ممكنة، فعمل أسوأ حاجة ممكن حد يعملها، أنه يحط إيده في إيد اليمين، ويجمع أصواتهم، ويكسب بيهم على وعد بتعيين قادة اليمين في الحكومة، وكسب فعلًا.
بس فيه مشكلة، أن قادة اليمين دول مكروهين واتحبسوا قبل كدا، فما كان منه إلا أنه حاول يعمل إصلاحات قضائية تسمح بتعيين الحشبية دول في الوزارة، وفعلًا يمسك بن غفير وزير الأمن الداخلي، وسموتريتش يمسك المالية، ودا معجبش اليسار اللي شايفينه تعدي على الحقوق الدستورية للمواطنين.
فجأة بتخرج مظاهرات تطالب رئيس الوزراء بالتنحي، والمظاهرات بقت بعنف واعتصامات، والوضع كان داخل على ثورة هناك.
ومن مصلحة رئيس الوزراء أنه يفضل في الحكم لأنه زي ما قلنا لو خرج هيتحاكم ويتحبس، مش قدامه عشان يستمر إلا حاجتين، إما أنه يستمر في الدعاية كون أن بلده عاشت في سلام طول عمره ويكسب الشعب، أو أنه يفتعل حروب فيعيش بلده في دور الضحية المستمر، وببعث إيران بحيث يفضل فيه عدو يتخاف منه ويعيشوا دور الضحية بالكامل.
التطبيع السعودي الإسرائيلي
نيجي هنا للوضع الخارجي، على الصعيد الخارجي، فكرة الإصلاحات القضائية دي عكس المبادئ الأمريكية، والاعتراض الأمريكي على تعيين وزراء من اليمين في الحكومة كان واضح، فكان لازم تعويضه بعملية تطبيع كبيرة تغطي على الأحداث الداخلية دي.
فكان الاتجاه العام هو التطبيع مع الرياض.
فكرة التطبيع دي بالذات بتخدم الأطراف السياسية كلها، يعني كانت بتخدم بايدن في ملفه الانتخابي اللي مفيهوش أي انتصار ديمقراطي ملموس، وبتخدم رؤية المملكة ٢٠٣٠ لنهاية الحكم لولي العهد اللي مش القبائل كلها هناك متفقة مع رؤيته وخلافه مع أولاد عمه، وبتكسبه ريادة إقليمية على حساب دول زي مصر والإمارات، وبتخدم رئيس الوزراء اللي هيجيب سلام مع دولة منافسة لإيران في الشرق الأوسط، وهنفتح مجالات جديدة لأول مرة منذ إعلان الدولة من ٧٥ سنة، وطبعًا القضية نفسها هتروح في النسيان.
المجتمع الإسرائيلي أكثر انقساما من أي وقت مضى
لكن الهجمة اللي حصلت في شهر ١٠ كانت عكس التوقعات تمامًا، قلبت كل حاجة رأسًا على عقب، والرد الغاضب هو كمان عقد الموضوع أكثر.
الداخل انقسم تاني ودخل في المعادلة فرق جديدة، على سبيل المثال أهالي المحتجزين، وأهالي الجنود، بالإضافة لليسار اللي عايز يوقف الحرب ويحاكم رئيس الوزراء، بالإضافة للضغط العالمي على أمريكا عشان تسحب دعمها غير المحسوب واللي ترأسه أعضاء في الكونجرس انتهاء بطلبة الجامعات.
هنا وللمرة الأولى عرش رئيس الوزراء بيتهز، وفكرة السلام دي نسيها تمامًا، ومبقاش قدامه غیر خیار دور الضحية، وحق الدفاع عن النفس والتعنت في استمرار الحرب، لأن استمرارها معناه بقاؤه في السلطة لأطول مدة ممكنة، فيقدر يتجنب المحاكمة والسجن، فمفيش قدامه غير إنه يوسع الصراع، يعني شفنا إزاي وظف الضربة الإيرانية لصالحه وإزاي بيقدر يكبر من التهديد، بحيث كل ما الشعب يحس بالتهديد كل ما ضمن بقاؤه في السلطة.
لماذا يصر نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة؟
اللي حصل إن مصر في القاهرة هنا توسطت وبقى فيه أمل لصفقة جديدة للمرة الأولى يوافق عليها جانبنا إحنا، وبموافقة أمريكا بعد مشاريع كتير قبل كدا فشلت، والموضوع المرادي بقى في ملعب رئيس الوزراء.
هنا هو اتزنق في “خانة اليك” حرفيًا، كلهم بقوا في مواجهة بعض داخليًا لو قبل الصفقة وانتهى الصراع الرأي العام هيلتفت ليه، وهيخسر اليمين اللي مستفيدين من استمرار الصراع، ولو مقبلش فهو كدا في مواجهة اليسار، مدعومين بأهالي الأسرى اللي لحد دلوقتي معرفش يرجع منهم حد.
يبقى المتوقع الوقت الجاي إنه من مصلحته ومصلحة اليمين المتطرف كمان إن الصراع يستمر، كل ما يتوسع في الصراع أكثر كل ما هيضمن إنه مكمل، وبيلعب على حتة إن العالم كله مبيحبناش، طيب هيكمل إزاي؟
إنه يعمل نوش ويظيط، ما دام الموضوع من جوه متجه إلى صفقة الموضوع هيخلص، فيجر رجل الإقليم كله لصراع جديد يتوسع، يعني متوقع جدًا إنه يماطل في القبول بالصفقة على أمل إنه يجر رجل مصر للتورط في الصراع، بأنه مثلًا يخالف اتفاقية كامب ديفيد ويتوغل ناحية الحدود، وميعملش حساب لحد ويقولك إحنا ضحايا زي ما أنتم شايفين، أو يسيطر على الشريان الوحيد ويقولك مصر اللي قفلته، ويبقى الكورة في ملعبنا إحنا تاني، وكل ما الحرب تكبر كل ما يصب في صالحهم.
يعني سياسيًا، هو مستفيد من جر الشكل، ومستفيد من استفزاز المقاومة، واستفزاز المنطقة كلها، ومستفيد إنه يفضل مصدر صورة الضحية في العالم الغربي، وشيطنة العرب اللي عايزين يرموهم في البحر، فتوقع اليومين الجايين دول استفزازات كتير، وعمليات قصف وإعلان عن اجتياح رفح، واستفزاز المقاومة للرد واستفزاز مصر على وجه الخصوص.
استمرار الحرب في غزة للبقاء بالسلطة
في الخارج، هما ضحايا مستمرين: عيسو بيكره يعقوب، ويعقوب بيدافع عن نفسه لأن الرب بيحب يعقوب، ولو مصر دخلت في المعادلة الوضع هيتأزم أكثر، ولو السعودية كمان دخلت ووافقت على التطبيع الموضوع هيتجه لإقامة حل الدولتين، ودا اللي اليمين مش موافق عليه فيبقى الوضع على ما هو عليه.
الكورة دلوقتي في ملعبهم، إما رفح أو الرياض، إما يميل ناحية اليمين والحرب تستمر، وإما يميل ناحية أمريكا وينهي الحرب، وإما الخيار الثالث إنه يستمر في تجاوز الخطوط الحمراء على أمل أن طرف تالت يخش في المعادلة والحرب تتوسع والشعب يخاف، ويفضل هو وحكومته في السلطة ويفضل الدعم الخارجي شغال.
ويبقى أهالي المحتجزين يسكتوا شوية عشان الأمن العام مش مستحمل أي ضغوطات، واليسار يسكت لأنها قضية وجود، وبايدن يغير سياسته ويدعمهم أكثر عشان حق الدفاع عن النفس عشان مصر الشريرة هاجمتنا أو إیران الشريرة حاربتنا وهكذا، الفوضى تصب في مصلحة النتن واللعبة يدفع ثمنها في النهاية الأطفال والنساء.
مقالات ذات صلة:
قصة الخمس بقرات وانتظار المخلص
إسرائيل تخسر أكثر بكثير من الفلسطينين
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا