فن وأدب - مقالاتمقالات

الكتابة عن الراحلين .. الجزء الثالث

الطيبة التي رحلت فجأة

ماتت الأستاذة ابتهال سالم، أطيب من قابلت من بين الأدباء. لم تكن ابتسامة الرضا تفارق وجهها، ولم تُضبط يومًا تتحدث عن غيرها بسوء، ولم تحقد على أحد، وكانت إن تكلمت عن عمل أدبي، رواية أو قصة أو مسرحية، في ندوة أو ملتقى، لا تبصر فيه إلا كل حسن، ولا تدلي برأيها إلا في أدب جم، دون قدح أو تجريح. وقد رأيتها غير مرة تحدب على أديبات وأدباء شبان، وتأخذ بأيديهم على قدر ما وسعها، وكان هذا أنبل وأجمل ما فيها.

عرفت الأستاذة ابتهال في مطلع تسعينيات القرن العشرين على الورق، حين كنت أقرأ لها قصصًا متناثرة في بعض الصحف والمجلات والدوريات الأدبية، إلى أن وقعت في يدي مجموعتها “النورس” التي صدرت ضمن سلسلة “إشراقات أدبية”، ثم تابعت أعمالها القصصية مثل “يوم عادي جدًا” و”نخب اكتمال القمر”، وبعدها رواياتها “السماء لا تمطر أحبة” و”صندوق صغير في القلب” و”نوافذ زرقاء”، وكذلك ما قدمته للأطفال مثل “المقص العجيب” و”الكمبيوتر الحزين” و”عصفور أنا” و”سر القطة الغامضة”، علاوة على ترجماتها مثل “حواديت شعبية من بلاد مختلفة”، “انطلق”، و”مختارات من الشعر الفرنسي”. وقدمت عديدًا من الأوراق البحثية فيما يخص “الزواج العرفي بين الشباب”، و”دور المرأة المثقفة في الرواية العربية”، و”أدب الطفل في الألفية الجديدة”، و”الترجمة والعلاقة بالآخر”، و”أهمية الترجمة للطفل” وغيرها، كما كتبت مقالات في عديد من الصحف.

أعمال عديدة بين القصص والروايات والترجمات والكتابة للأطفال والأوراق البحثية والمقالات والمحاضرات، لا يجعل من ابتهال مختلفة عن غيرها من الأديبات والأدباء، فهناك من كتب مثل هذا العدد، أو ضعفه، أو ثلاثة أمثاله في العدد أو يزيد، لكن ما ميز ابتهال سالم أكثر أنها كانت متسقة مع ما تكتب، متعاطفة مع شخوص قصصها وأبطال رواياتها والقيم التي أرادت أن ترسخها في عقول ونفوس ووجدان صغارنا، وهذا والله ليس بقليل أبدًا.

ظني أن دراسة ابتهال لعلم النفس في كلية الآداب، جامعة عين شمس، أمدها بمعرفة عميقة عن نفوس الناس، في ائتلافها واختلافها، وفي سلامتها ومرضها، ففهمت كيف تتعامل مع من حولها بحب وامتنان، وأن تعذر كل من يقترب منها وتقترب منه، فإن لم تجد له عذرًا أوجدته، وكانت حريصة على أن تصلح بين المتخاصمين، وتقرب بين المتباعدين، ولا تزاحم أحدًا على شيء، فكسبت احترام الجميع وحبهم، وتعامل الكل معها دومًا إلى أنها الأخت المخلصة، والأم الرؤوم، والصديقة الطيبة الودودة الوفية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد رأيتها في ندوات عدة تتصدى بجسارة لبعض من يحاولون تصفية حسابات، أو تدبير مكائد فارغة وعابرة، أو إثارة أحقاد سوداء صغيرة، أو الانصياع لغيرة تدفع إلى سوء، فتدافع عن الكاتب والكتابة معها، في صراحة تامة وسلامة عامة. وقد عرفت من أدباء شبان أنها كانت تهاتفهم إن أعجبتها نصوصهم، وتشد على أيديهم، وتخبرهم برأيها في أعمالهم، بينما هي لا تتحدث عن نفسها كثيرًا، وإن قدمت نفسها، يكون هذا في تواضع شديد وأدب جم، وتطامن عجيب.

عاشت ابتهال سالم في سلام، ومضت في سلام، فاللهم اغفر لها، واجعل فضلك عليها يسبق عدلك فيها، ورحمتك قبل الاثنين، وأرها في رحابك ما يُذهب عن روحها أي مشقة، ويغبطها إلى أبد الآبدين.

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لَوْح الكتابة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة