فن وأدب - مقالاتمقالات

الكتابة عن الراحلين ..الجزء الثاني

"نجم" لن يسقط أبدًا

“إنت يا واد يا اللي طالع من طين الأرض، يا مصري أصلي، كل ما أشوفك على الشاشة أبوسها “، هذه العبارة العزيزة على نفسي، والتاج على رأسي، والقيد الذي يلزمني ويحثني دومًا على ألا أخذل من يرددها، لن أسمعها بعد اليوم، فقد رحل صاحبها، الذي أطلقت فينا أشعاره روح التحدي، وعلمتنا تجربته أن نعيش الحياة كما نريد، أحرارًا كالنسور، وزاهدين كمتصوفة الزمن القديم، وألا نخاف من سلطان أو سجان أو قرصان، وأن نمشى على الأرض هونًا، قابضين على الحروف والجمر.

رحل، سفير الفقراء، عمنا الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، واروه الثرى، ودثروه بكلماته وشهقاته وزعقاته وآماله المجنحة، كومة عظم ونسيرات لحم طبخها الزمن على مهل، كانت تحمل بين طبقاتها النحيلة روحًا جسورة، ونفسًا أبية، وتصنع رجلًا عاش كما يحلو له، غير عابئ برأي الناس فيه، فكل ما فوق التراب تراب.

لم يكن نجم محض شاعر موهوب، بل كان تجربة إنسانية ووطنية وفنية، وكان ظاهرة نضالية، وكان رمزًا لزمن وعلامة على أجيال، كتب وغنى رفيقه الشيخ إمام، فتراقص بين الضلوع الأمل، ورفرف العلم، وتعرى السلطان الجائر، ووجد الفقراء والحالمين لأنفسهم مكانًا بين زحام الكلام، وأناشيد محفورة في الصدور.

84 عامًا كانت كافية لتضع اللمسات الأخيرة على حياة ميت سيعيش، وأوجاع قد آن لها أن تستريح، وقدمين نحيلتين جاء أوان قطافهما، لتتساقط المكابدات ذات اليمين وذات اليسار، فسبع مرات في السجن وسبعين مرة على عتبات العوز، ولا مرة واحدة على باب الخوف، هكذا كان نجم، وسيظل في ذاكرة كل من قرأوه أو سمعوا شعره يُغنَّى، أو أنصتوا إلى كلماته التي يطلقها من دون تهيب ولا تحسب، رصاصًا ومطرًا، فيتساقط الأعداء محسورين، وينبت القمح والرياحين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في ثورة 25 يناير رددنا كلماته في الميدان، الذي ظل يحلم بامتلائه منذ السبعينيات:

“كل ما تهل البشاير

من يناير

كل عام

يدخل النور الزنازن

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يطرد الخوف والظلام”.

وكلما ازداد القبح حولنا وطفح الظلم وتوحش الفاسدون المستبدون الناهبون الآكلون بلا شبع، فرموا بين أعيننا والوطن ستائر سوداء، استعدنا “نجم”، لنواصل حب مصر العظيمة من جديد:

“كل عين تعشق حليوة

وأنتى حلوة فى كل عين”.

وصدحنا ورؤوسنا تهتز في فرح ومرح وامتنان وافتتان وإجلال وحب:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“مصر يا أمه يا بهية

يا أم طرحة وجلابية

الزمان شاب وإنت شابة

هو رايح وأنت جاية”.

تتساقط كل يوم نجوم في السماء، وتسقط أسماء في الأرض. لكن هناك نجمًا لن يسقط أبدًا، اسمه الأول أحمد، فنحمد الله على كل حال، ونعزي أنفسنا في رحيل هذا الرجل الكبير، فاللهم ارحمه واغفر له، وأنزله فسيح جناتك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

نظرية النظم عند الجرجاني وعلاقتها بعملية الإبداع

مرسي جميل عزيز

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة