مقالاتفن وأدب - مقالات

آه لو لعبت يا زهر وأتبدلت الأحوال! كيف يتم توزيع الأرزاق؟ هل عن طريق القرعة؟

أثناء ركوبي لإحدى سيارات نقل الركاب الخاصة في طريق العودة للمنزل، كان قائد السيارة -كعادة أغلب السائقين مثله- يشغّل إحدى الأغاني بصوت مرتفع:
“آه لو لعبت يا زهر، واتبدلت الأحوال”
“وركبت أول موجة في سكة الأموال”
زهر .. أموال .. حظ .. رزق.. !
الأغنية ليست الأولى التي تربط بين #أرزاق البشر والحظ وربما هي أفضل من أغاني أخرى تذكر أن آلية الرزق ظالمة، فالرزق يُعطى لمن لا يستحق، ويُحرم منه من يستحقه!
قبل أن نحكم على كون آلية حصول البشر على أرزاقهم عشوائية أو مبرمجة بصورة ظالمة أو عن طريق قطعة زهر فلا بدّ أن نتعرف أوّلا على مفهوم “العشوائية”.
الحكم بأنّ أمرًا ما عشوائي يكون إما لأن هذا الأمر ليس له قواعد ثابتة أو أنّ هذه القواعد غير معروفة لنا فيمكن اتباعها، مثل الأرقام التي تظهر على حجر النرد أو “زهر” كما تدّعي الأغنية، هي تظهر بشكل عشوائي لا يمكن التنبؤ به. أتذكر أني أول مرة شاهدت لعبة كرة القدم الأمريكية -وهي بالمناسبة مختلفة عن لعبة كرة القدم العادية- قلت في نفسي ما هذه العشوائية التي يتصارع بها رجال أقوياء على الحصول على كرة صغيرة وإيصالها إلى أقصى طرف الملعب، بعد ذلك عرفت إنّ هناك بعض القوانين المنظمة ولكن لا يخلو الأمر من عشوائية.
إذن الحكم على أمر ما أنه عشوائي إما أنه ناتج من أن هذا الأمر بالفعل هو عشوائي ولا تحكمه قوانين منظمة أو أنه ليس بعشوائي ونحن بعلمنا القاصر لا ندري هذه القوانين فنحكم بالعشوائية.
بالرجوع إلى موضوع الرزق، من منطلق عقلي، إن لهذا الكون المنظم المرتب والبديع خالق نظمه بإتقان وابداع، فمن تعقيد “الدي إن إيه” داخل الخلية وتناغم وظائف الأعضاء في جسم الانسان مع بعضها البعض وحركة الكواكب والنجوم الدقيقة في الفضاء الفسيح وغيرها من الظواهر كل ذلك يدل حتما على وجود نظام بديع أوجده موجد وخالق لديه ليس فقط علم عظيم بل أيضًا قدرة عظيمة على الخلق والتحكم في هذه المخلوقات بل أيضًا منتهى الحكمة في وضع كل شيء في موضعه. كيف لا وهذا الكون كان عدما ثم أفاض هو عليه بالوجود وبكل ما فيه من كمالات مثل العلم والحكمة والقدرة.
هناك مفهوم آخر يجب أن نأخذه في الحسبان ألا وهو العدل، العدل كما عرفه الحكماء هو إعطاء كل ذي حق حقه، وعدم العدل يعني الظلم، ويحدث الظلم إما بسبب اتباع الأهواء والطمع في حقوق الغير، أو بسبب قلة العلم والمعرفة بهذه الحقوق، أو بسبب الضعف وعدم القدرة على إعطائها لأصحابهاو اكيد ليس زهر هو السبب.
السؤال هنا .. بعد إيماننا بوجود الإله، هل يمكن أن يظلم الإله مخلوقاته، هل يمكن أن يطمع في حقوقهم وهو غني عنهم لأنه خالق وواهب كل هذه الحقوق والكمالات؟ أو أن يجهل هذه الحقوق أو أن يضعف عن إعطائها؟ عقلا هذا محال لأنه منبع العلم والقدرة والكرم.
بسبب هذا الوجود الحكيم، العالم، القادر، الرحيم والعادل، تنهار فرضية العشوائية في نيل الأرزاق وتتأكد فرضية أن سبب رؤية البعض للعشوائية ليس لوجودها الواقعي ولكن لعدم إحاطتنا الكاملة بالقواعد المنظمة لهذا الموضوع. عندئذ لا يجب أن نقع في حبال غرورنا وكبرنا ونعتقد بأن ما لا نفهمه أو ندركه هو ليس بموجود، حتما لا، فكم من قانون فيزيائي أو سنن كونية اكتشفها الإنسان بعد طول إنكار لها. إذن حتما هناك حكمة بليغة وراء هذا التفاوت في نيل الأرزاق بين البشر، حكمة لن تصل البشرية إلى منتهاها ولكن تستطيع بكثير من التأمل والتفكير تذوق بعض حلاوتها.
هل رأيت يوما أحد الآباء يمنع النقود (“المصروف”) عن ابنه الصغير؟ هل تساءلت لماذا فعل هذا الفعل القاسي؟ ربما علم بأن ابنه مغرم بالحلويات ويقوم بإنفاق كل نقوده عليها وهو ما سيؤدي إلى إصابته بالسمنة وتسوس الأسنان، إذن هذا المنع هو الرحمة بعينها حتى وإن بدا لنا غير ذلك.
وقد يقوم أب آخر بشراء لعبة لطفله بعد إلحاح طويل من الطفل، رغم علمه بعدم مناسبة اللعبة له أو رداءة صناعتها، ولكنه فعل ذلك لتعليم طفله المحبوب درسا مفيدا، أن ليس كل ما نتمناه أو نرى سعادتنا فيه هو واقعا كما نظن، بل قد يكون سرابا يتبدد فور الوصول إليه، فإيصالنا لهذا السراب يكشف وهم وجود الماء.
وأحيانا نرى أهل قرية يعانون من الفقر، لا لشيء إلا لنهب كبير القرية حقوقهم، وقد سمحوا له بذلك إما لجهلهم بأحقيتهم في هذه الحقوق، أو لجبنهم وخوفهم من التضحية في سبيل استعادتها، أو أنهم ارتضوا نظام الغاب (الذي يأكل فيه القوي الضعيف) كنظام أمثل لتسيير شؤون مجتمعهم، أملا في الوصول في يوم من الأيام لمنصب كبير القرية فينعموا بحقوق الآخرين كما تنعم سابقوهم، فيضيع عمرهم بين أمل زائف أو ظلم عاقبته الندم والخسران.
وأخيرا قد ينال أحد الأشخاص فرصة السفر للخارج في عطلة، ويُكون مطلوبا منه إعداد حقائبه والوصول إلى المطار في ساعة معينة، ولكن لتقصيره وكسله تضيع فرصة السفر والاستمتاع بالعطلة، فينسب ذلك الفشل إلى الحظ والنصيب.
إنّ تطوير النفس وتهيئتها لاقتناص الفرص، ونشر ثقافة #العدل ورفض #الظلم، والشعور بالرضا بعد بذل الإنسان كل ما في وسعه هي من أهم قواعد وقوانين “لعبة” الرزق والتي حتما ليس منها الحظ والعشوائية.
ملاحظة: نشرت مؤخرًا إذاعة البي بي سي البريطانية إحصائية تقول أن 1% فقط من سكان العالم يمتلكون أكثر من نصف الثروات العالمية، بينما يتنازع ال99% الباقين على النصف المتبقي.. ولا عزاء لأهل القرية الفقراء اذا فاعطاء كل ذي حق حقة و العلم و المعرفة يجعل زهر يسير في الاتجاة الصحيح .

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب

#بالعقل_نبدأ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد عثمان

باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ

مقالات ذات صلة