في القاهرة الشوارع المهجورة تحمل بين ضلوعها تاريخا، فالمكان الذي يبدو لك مُخرّبا وتمكّنت منه أيادي الزمن والبشر بالتغييب والاندثار لا يزال يحمل رائحة من الماضي.
عليك أن ترجع إلى كتابات المؤرخين، وبينما تغوص بين السطور في المكتوب والموصوف ستدهش حقا عندما تُطالع المكان المذكور الآن، إنه زقاق القناديل الواقع شرق الجامع العتيق، كانت هناك حياة أخرى تحمل ملامحا من الماضي ممتدة على مدار أربعة عشر قرنا، كان عامرا بالبيوت الفارهة يسكنها الأمراء والأشراف والعلماء وأغنياء التجار، على كل دار قنديل مُعلق، فإذا أقبل الليل أُسرجت القناديل التي على كل دار فعرف بزقاق القناديل.
عبقرية المكان الواقع خلق الجامع العتيق جعل منه خطا عامرا يقصده التجار لعقد الصفقات، فقد كانت هناك قيسارية شهيرة للإخشيد شيّدها وقت أن كان أميرا على مصر قبل أن تندثر لاحقا إلى جوار سوق الكتبيين وأول مارستان في عهد الأمويين، وبهِ دارت إحدى الوقائع الشهيرة زمن الشدة المستنصرية، فعلّق بعض الناس أمرأة سمينة اجتازت الزقاق بالكلاليب وأخذوا يأكلونها.
في زقاق القناديل كانت الدار التي سكنها عمرو بن العاص، وفي زقاق القناديل كانت الخزانة التي أقامها الحاكم بأمر الله لحفظ أموال اليتامى، زقاق القناديل كان مركز المدينة الصاخب يرحل إليه كل يوم الخلق الكثير حتى جاءنا اليوم بتلك الصورة، شارع مهجور يسكنه بعض جامعي الخردة ويعرف اليوم باسم (عزبة أبو قرن).
باب العز أو باب النصر
وهو الاسم الأكثر شهرة وتداولا ورواجا على ألسنة أهل البلد، هذا الباب وما حوله أشبه بمحمية تاريخية أبطالها البشر والحجر، وأزعم أن تلك البقعة لها رمزية أيقونية لمفهوم دورة الزمان على المكان، من هنا مرّ سلاطين وملوك وجيوش وقوافل وتجّار، وإلى جواره سكنت جثامين قواد وعلماء وزهّاد، حينما تدلف من هذا الباب خارجا كنت أو داخلا توقّف وتذكّر وتدبّر، وكن هيّنا لا تعبث بخطواتك، فهنا وإلى يسارك من خارج السور كانت منشأة عظيمة عُرفت بالمدرسة الجانبلاطية دفن فيها السلطان المملوكي الچركسي جانبلاط الأشرفي، وقد هدمت لاحقا فلم يبق لها أثر، وإلى اليمين سبيل “سليم آغا” وقد هُدم في أربعينات القرن العشرين، يتبقى لك أن تتعرف على ملامح المقاهي في القاهرة قديما، فانظر إلى ذلك الكشك الخشبي تتقدمه دكك خشبية، وبالطبع أشهر ماكان يُقدّم لزبائنه ثنائية المزاج الشهيرة والتي ذاع صيتها في أرجاء المحروسة “القهوة والنرجيلة”.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.