فلسفة المرض
حينما يمرض الإنسان يشرق القلب، وتتهيأ النفس، وتترقى الذات، وتتسامى الروح، ويعذب البوح، وتحلو المناجاة، ويدرك الإنسان قيمة الحياة، ومغزى الوجود، ويتبين أن المال لا قيمة له، وأن المناصب زائلة، وأن الكل إلى فناء، وحينها يبدو ما كان نسبيا مطلقا، وما كان مظنونا متحققا.
حينما تهفو نفسك إلى شربة فلا تستطيعها، أو لقمة فلا تستسيغها، وتود آنئذ لو قايضت بما عندك وما تملكه يداك أن تقضي حاجتك دون الاتكاء على أحد، فلا تجد لذلك سبيلا، ولا عنه عوضا وبديلا.
حينما يمرض الإنسان تتكشف الحقائق أمامه، فيظهر ما كان خافٍ واضحا جليا، وما كان مستورا قمرا مرئيا، حيث يرى المرء ببصيرته لا ببصره، فيغدو رفيفا، يرى ما لا يراه المحيطون به، أو الملتفون حوله، فلربما تكل العين، أو يثقل الجسم، أو تترنح الأعضاء، لكنه (المريض) سيظل الوحيد القادر على استكناه الأشياء، يحس، ويشعر، ويتألم، وتألمه هذا هو سر العظمة، وأيقونة المنحة.
المرض منحة
إن المرض ابتلاء صعب، ومحنة قاسية، وإذا كان الله قد أمرنا أن نستعيذ بالله منه، وأن نسأله دائما العفو والعافية، لكنه إذا حلَّ بالمرء طهّر الروح من أردانها، وخفف النفس من أوزارها، وأراح الذات من أثقالها، وأزاح عنه ما ران عليه من غبش السراب، وغبار الغفلة.
حينما يمرض الإنسان يتلاشى ذلكم الحد الفاصل بين الواقع والمجاز، والخيال والمعايشة، وثمة، يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحقيقة المجردة، ويستطيع حينئذ أن يستبدل مسد الوهم، بحبل اليقين، ذلكم الحبل السُّري الواصل بين مادية الجسد وشفافية الروح، لتتكشف لنا حقيقة الحياة، ومعنى الدنيا في أسمى صورها، وأجلى معانيها.. حقيرة، دنيئة، لا تساوي شيئا وإن عظمت، فما هو إلا لمع آل يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
إن المرض وإن كان داء، فإن الأشد منه –صدقوني– أن يظل المرء هكذا معافى بلا ابتلاء من الله، مرض ولو كان بسيطا يرجعه إلى جادة الصواب، وحقيقة المآب، ليدرك ما يغط فيه من النعم، وما يحيطه من رحم، وما أصدق قول شاعرنا القديم: “وحسبك داء أن تصح وتسلمَ”!!
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.