وداعًا مجانية التعليم
ودعتُ مجانية التعليم عندما فتحت عيناي على الدنيا ودخلت في دوامة التعليم وسمعت عن الدروس الخصوصية والتي كان يتسابق المدرسون في الفصول على الطلاب ليحجزوا عندهم في الدروس الخصوصية، فمنهم من لا يشرح في الفصول ولايؤدي عمله كما ينبغي حتى يجبر تلامذته على حجز الدروس الخصوصية عنده ليتمكنوا من مادته،
ومنهم من كان يضطهد التلاميذ بالإيذاء البدني أو النفسي كوسيلة للضغط عليهم ليحجزوا في الدروس الخصوصية، وكان الحجز عندهم بمبالغ كبيرة لا يتحملها كل أولياء الأمور مما يشكل عِبئ على كاهلهم، وأصبحت مسألة الدروس الخصوصية أمرًا عاديًا وما دون ذلك الشاذ غير المفهوم فكيف بطالب لا يأخذ درس خصوصي؟! هذا الكلام في زمني، فما بالكم بوقتنا هذا؟!
وقديما كان والدي يتعجب من حالنا ويقول لنا الدروس الخصوصية زمان كانت للبلداء الأغبياء الذين لا يذاكرون دروسهم وكانوا يحتاجون للتقوية، ومن كان يأخذ درس خصوصي كان لا يحب أن يعرف الآخرون ذلك ويخجل منه، بعكس حالنا اليوم فأصبح أخذ الدروس الخصوصية محل تفاخر في الوسط الطلابي والمتفوق فيهم من يأخذ درس في كل المواد،
ما أتكلم عنه؛ يصدقه فيلم سينمائي قديم أنتج في الأربعينات اسمه غزل البنات لنجيب الريحاني. الأستاذ حمام يذهب لقصر الباشا ليعطي لابنة الباشا درسا في اللغة العربية ويقول إن هذه البنت لابد أن تكون من التلامذة الفاشلين والخائبين و”عايزة تتنجر في اللغة العربية” على حد زعمه .
قضاء الدروس الخصوصية على مجانية التعليم
يقول عميد الأدب العربي “طه حسين” أن التعليم كالماء والهواء في إشارة منه أن التعليم متاح للجميع كما الماء والهواء وأعلن عن مبادرة مجانية التعليم في العهد الملكي، وبالمناسبة بعد ثورة يوليو؛ ادعى القائمون على الحكم أن إنجاز مجانية التعليم يرجع إلى عهد الثورة.
هذا الكلام غير صحيح فمجانية التعليم كانت الدعوة لها في العصر الملكي بمبادرة من طه حسين كتصحيح تاريخي لابد منه، وهذا يذكرني بطرفة تاريخية حدثت في العهد الأموي في عهد الخليفة “الوليد بن عبد الملك” كان القائد العسكري المشهور وقتها “موسى بن نصير” الذي راسله ولي العهد “سليمان بن عبد الملك” بأن يتأخر في القدوم إلى دمشق وكان في الأندلس حتى يموت الوليد فيكون دخوله على سليمان في صدر خلافتة ليحسب ذلك على عهده، ولكن عصي “موسى بن نصير” كلام ولي العهد وجاء دمشق ليعود “الوليد” وهو على فراش الموت مما أغضب “سليمان” وعاقبه بعد توليه الخلافة ونكَّل به.
وعلى كل حال كلام “طه حسين” أن التعليم كالماء والهواء كان قبل خصخصة التعليم لصالح الدروس الخصوصية وبالمناسبة ظهور الدروس الخصوصية كان أسبق من التعليم الخاص وهو التعليم الذي يختلف عن التعليم الحكومي؛ التعليم الخاص تدفع مبالغ طائلة لكي تتعلم في الجامعات والمعاهد الخاصة.
صورة عدة للخصخصة
لو كان “طه حسين” وغيره من الداعين لمجانية التعليم أحياء بيننا ما كان هو رد فعلهم على ما يعانيه التعليم من الخصخصة اليوم، والخصخصة لها صور عدة منها الدروس الخصوصية و”السناتر الخاصة الجامعية” وغير الجامعية والكتب الخارجية التي حلت محل الكتب المدرسية لبساطتها وعرضها المادة في سهولة ويسر بعكس الكتب المدرسية التي افتقدت لذلك،
حتى إن في مراحلي التعليمية؛ كنت أذاكر من الكتب الخارجية لسهولة وبساطة عرضها للمادة في نظام مريح ولا أتذكر أني ذاكرت من الكتب المدرسية، وكنت أتمنى وقت انتظامي في المراحل التعليمية إلغاء الدروس الخصوصية ولكن جاء القرار متأخرًا، وبالفعل أصدر وزير التربية والتعليم في يومنا هذا إلغاء الدروس الخصوصية و “السناتر الخاصة” وحسنا فعل ولكن لابد من خطة لتدعيم هذا القرار لكي يكون قرارا مكتملا .
مقترحات:
يجب لإرجاع هيبة المعلم والمدرسة أن يعطى الأجر المناسب لكي لا يهتم بالدروس الخصوصية الأجر الكفيل بإعاشته بشكل كريم ويوفر طاقته للتعليم في المدرسة واعتبار ذلك مشروع قومي للنهوض بالتعليم، فالمدرس والطبيب أجورهم من أعلى الأجور في الخارج المهتم بالتعليم والصحة، مما سيوفر أيضا بالتبعية الهيبة للمدرسة لأنه سيكون فيها التعليم الجيد كذلك يجب الاهتمام بالكتاب المدرسي وعرض المادة التعليمية فيه بيُسر ونظام يُيسر على التلاميذ فهم المادة منه وبالتالي لا يلجأ الطالب لا للكتب الخارجية ولا للدروس الخصوصية .