العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الثالث والسبعون
المدرسة المشَّائية: (71) أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صوان الحكمة" [8] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: تأريخ الفلاسفة اليونان

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أبي سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة” [7] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: منهجية أبي سليمان في تأريخه الفلسفي.
ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة”.
نماذج إجمالية من تأريخ أبي سليمان السجستاني
بعد أن تعرفنا على المنهجية التأريخية لتأريخ الفلاسفة والفلسفة، الذي انتهجه الفيلسوف أبو سليمان المنطقي السجستاني في كتابه “صوان الحكمة”، يحسن أن نختم دردشاتنا بإيراد صورة إجمالية لتأريخ الفلسفة العالمي بنص كلمات السجستاني تقريبًا، وذلك على النحو الآتي:
بدايات الفلسفة في بلاد اليونان والأصل المصري للفلسفة اليونانية
يقول أبو سليمان: إن أولَ مَن ظهر منه التفلسفُ –في بلاد اليونان– وعُرِفَ بالحكمة هم:
ثالس الملطي
طاليس: أول من تفلسف بمصر ومؤسس المدرسة الملطية:
“ذُكر في بعض الكتب أن ثالس الملطي (طاليس) أول من تفلسف بمصر، وصار إلى ملطية وهو شيخ. وبه سميت فرقة من اليونانيين فلاسفة”. وهذا النص يرجح الأصلَ المصري للفلسفة اليونانية.
طاليس: المبدأ الأول: الماء
“وقد كان للفلسفة انتقالٌ كثير. وكان يُفيد (يعني ثاليس) أن أولَ ما خلق الله تعالى هو الماء، وينحل جميع الكائنات أولًا إلى الماء. ودعاه إلى أن يتوهمَ جميعَ الأشياءِ من الرطوبة. واستدل بقول أدميروس (هوميروس) الشاعر، إذ قال: “إن أوقيانوس كأنه عمل مُوَلّدًا للكل”.
من الأقوال الحكيمة لطاليس
ثم يذكر السجستاني بعضًا من الأقوال الحكيمة لطاليس، فيقول: لم يوجد من كلامه إلا اليسير لتقادم العهد وتطاول المدة، ومن أقواله: “الحق ليس بممدوح لكنه ممَجّد لأنه أرفع وأعلى من المدح”، “الشتيمة من العيّ، والغضب من ضيق الفكر، والتندم على ما فات من الفشل”، “من عمل في السر عملًا يستحي منه في العلانية، فليس عنده قَدْرٌ”. “وقيل له: أي الحيوان الذي لا يشبع؟ فقال: الإنسان الذي يربح”، وقال: “الكبير الهمة الذي يكون عُنْفُ الناصح عنده ألطف موقعًا من لين المَلِق الكاشح”، إلخ.
وكان أول من ألف في أقوال الفلاسفة وحكمهم (التي ستصبح موضوعًا خاصًا تفرد له الكتب والمؤلفات)، حُنين ابن إسحق (توفي 260ه)، في كتابه “نوادر الفلاسفة والحكماء”، ثم تبعه بعد ذلك ابن هندو (توفي 421 ه) في كتابه “الكلم الروحانية في الحكمة اليونانية”، والمبشر بن فاتك (توفي 480ه)، في كتابه: “مختار الحِكم ومحاسن الكَلِم”.
أنكسيماندرس الملطي
أناكسيماندروس: المبدأ الأول: اللا نهائي
“ثم كان بعده أناكسيماندروس الملطي، وكان يرى أن مبدأ الموجودات التي خلقها الله تعالى هو “الذي لا نهاية له”، وأن منه كان الكون، وإليه ينتهي الكل”.
أنقسمانس الملطي
أناكسيمينيس: المبدأ الأول: الهواء
“ثم كان بعده أنقسمانس الملطي، وكان يرى أن مبدأ الموجودات التي خلقها الله تعالى الهواء، وأن منه كان الكلُّ وإليه ينحلُّ، مثل النَفَس الذي فينا، فإن الهواء هو الذي يحفظه فينا. والروح والهواء: يمسكان العالم كله. والروح والهواء يقالان على معنى واحد قولًا متواطئًا متطابقًا”.
من الأقوال الحكيمة لأناكسيمينيس
ثم يورد له أقوالًا قليلة في الحكمة، منها: “الزمان مغير العالم”، “لأن حب النساء وشهوة الإناث هي غاية منافع الفُسّاق وذخائر الإثم الفُجَّار”، “ينبغي لنا أن ننظر في الحكمة وثمرتها بالمرآة النقية”، إلخ.
أنقساغورس
أناكساغوراس: المبدأ الأول: المتشابه الأجزاء
“ثم كان بعده أنقساغورس، من قلازمانيوس: وكان يرى أن مبدأ الموجودات التي خلقها الله تعالى هو المتشابه الأجزاء”.
أناكساغوراس: ذكر بعضًا من سيرته وحِكَمه
“ثم كان بعد أنقسيمانس الملطي: أنكساغورس. وقد ملأ الحكيم (يعني أرسطو) كتبه بأقواله وآرائه ومذاهبه والرد فيما لم يوافقه عليه. وكان يأخذ نفسه بالتقشف، ويسومها الشدائد من مقاساة البرد والجليد والثلج عريانًا حافيًا على كبره وضعفه. فقيل له في ذلك فقال: لأن نفسي سريع المَرَح فاحش الأشر، فأخاف أن تجمع بي فتورطني في أهوائها المذمومة. فما لي لا أجعلها تحتي، دون أن أكون تحتها؟! ولمَ لا أحملها على الشدائد دون أن تحملني على الفواحش؟!”. وقال: “أمور العالم كلها كالحُلم، وصحة الرأي كاليقظة”.
ثم يقول السجستاني:
“وهؤلاء الفلاسفة كان بعضهم تاليًا لبعض. وبهم استكملت فلسفة اليونانيين التي كان مبدؤها ومنشؤها من الرجل الذي يقال له ثالس الملطي”.
فيثاغورس
فيثاغورس: المبدأ الأول: الأعداد
وذكر أيضًا أن الفلسفة كان لها مبدأ آخر هو من فوتاغورس بن منسارخوس من أهل سامس. وهو أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم، وكان يرى أن المبادئ التي خلقها الله تعالى أولًا هي الأعداد والمعادلات التي فيها، وكان يسميها تأليفات، ويسمي المركب من جملة ذلك استقسات/عناصر، ويسميها أيضًا هندسيات”.
وصايا فيثاغورث الذهبية بشرح يامبيليخوس:
ثم يذكر السجستاني أقوال فيثاغورس الذهبية فيقول: “وهذا مجموع من كتاب أيامبليخس (يامبيليخوس) لتبيين وصايا فيثاغورس المعروفة “بالذهبية”، التي يقال إن جالينوس الفاضل كان يقرؤها كل يوم غُدوًا وعشيةً تعظيمًا لها وأخذًا بها”، وبعد أن يورد السجستاني وصايا الذهب الفيثاغوري يقول: “تمت الوصايا”.
وتستمر هذه السلسة فيذكر السجستاني:
هرقليطس
هيراقليطس: المبدأ الأول: النار
“ثم إيراقليطس من أفاسس التي تنسب إلى ماطابنس. وكان يرى أن مبدأ الأشياء كلها النار، وانتهاؤها إلى النار. وإذا انطفأت النار انقضى منها العالم”.
إبيقورس
إبيقورس: المبدأ الأول: الذرات والخلاء
ثم إفيقودس (إبيقورس) بن ناوقلس من أهل أثينية الذي تفلسف في أيامه على مذهب ديمقريطس. وكان يرى أن مبادئ الموجودات أجسامٌ مدركة عقلًا، لا خلاء فيها، ولا كون لها: فإن الله خلقها سرمدية غير فاسدة، لا تحتمل أن تنكسر، ولا تنهشم، ولا يعرض لها في شيء من أجزائها اختلاف ولا استحالة. وهي مدركة عقلًا. فهي تتحرك في الخلاء بالخلاء، إلى أن يشاء الله تعالى. وهذا الخلاء لا نهاية له عنده. وكذلك الأجسام يرى أن لا نهاية لها. والأجسام لها هذه الثلاثة الأشياء: الشكل، العِظَم، والثقل”.
إنباذقلس
إمبيدوكليس: المبدأ الأول: العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب
“ثم إنباذقلس بن ماتن من أهل أغراغنتا: وكان يرى أن الاسطقسات (العناصر) التي خلقها الله تعالى أولًا هي أربعة: النار والهواء والماء والأرض، والمبادئ اثنتان: المحبة والغَلَبة: إحداهما تفعل الاتحاد، والأخرى تفعل التفرقة”.
سقراط وأفلاطون
“ثم سقراط بن سفرنسقس من أهل أثينية، وأفلاطون بن أرسطن، فإن رأيهما في الأشياء جميعها رأي واحد. وهما يريان أن المبادئ ثلاثة، وهي: الله تعالى، ثم خلق العنصر والصورة”.
أرسطوطاليس
“ثم أرسطوطاليس بن نيقوماخُس، من أهل اسطاغيرا: وكان يرى أن المبادئ التي خلقها الله تعالى هي: الصورة، والعنصر، والعدم، والاسطقسات الأربعة، وجسم خامس هو الأثير غير مستحيل (غير متغير)”.
زينون بن مانساوس
“ثم زينون بن مانساوس وفرقتهم سميت إيطاليقي (الإيطاليين)، لأن فيثاغورس كان مقيما بإيطالية، لأنه انتقل من سامس التي كانت موطنه، بسبب تغلب بولوقراطس المتغلب، فإنه كان غير راضٍ عنه بذلك”.
هذا جزء مما ذكره السجستاني من مجمل تأريخ الفلسفة اليونانية: من فلاسفة ما قبل سقراط، ثم سقراط وأفلاطون وأرسطو، ثم الفلسفة في العصر الهلينيستي.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة” [9] السجستاني مؤرخ الفلسفة: تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: الحكماء الخمسة وأصحاب التجارب.
مقالات ذات صلة:
الجزء التاسع والستون من المقال
الجزء الواحد والسبعون من المقال
الجزء الثاني والسبعون من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا