السلوك الإنساني .. الجزء الأول
يعرف السلوك: بأنه أي فعل يمكن مشاهدته من الخارج، وهو عادة إما استجابة غريزية أو عضلية.
هو أي نشاط يصدر عن الإنسان سواء كان أفعالًا يمكن ملاحظتها وقياسها، مثل النشاطات الفسيولوجية والحركية، أو نشاطات تتم على نحو غير ملحوظ، مثل التفكير والتذكر والوسواس وغيرها.
يمكننا أن نعرفه أيضًا: أنه جميع أوجه النشاط التي يقوم بها الإنسان الحي ويمكن ملاحظتها سواء بطريقة مباشرة مثل: العمل، والمشي، والأكل، أو بطريقة غير مباشرة مثل الجوع، والكراهية، والتفاؤل.
ما هو مفهوم السلوك الإنساني؟
السلوك ليس ثابتًا ولكنه يتغير، وهو لا يحدث في فراغ وإنما في بيئة ما، وقد يحدث بصورة لا إرادية وعلى نحو آلي، مثل التنفس أو الكحة، أو يحدث بصورة إرادية وبشكل مقصود وواعٍ، وهذا السلوك يمكن تعلمه ويتأثر بعوامل البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد.
في تعريف معنى السلوك الإنساني بصفة خاصة نقوم بتعريف التالي:
- البناء الأساسي للشخصية.
- ماهية السلوك.
- أنماط السلوك.
أ. البناء الأساسي للشخصية
مفهوم استخلص من مجموعة ملاحظات، ظهر منها أن الناس في ثقافة معينة يميلون إلى التقارب أو التماثل في شخصياتهم، ويرجع التماثل في طابع الشخصية بين غالبية أعضاء المجتمع إلى اشتراكهم في خبرات، وظروف ثقافية واجتماعية عامة.
رغم هذا فإن البناء الأساسي عند الإنسان الفرد، ينعكس في أشكال سلوكية متباينة.
كما أن الفترات المبكرة للفرد تؤثر في شخصيته، وتماثل الخبرات يؤدي إلى شخصيات متماثلة في سماتها.
هذا والوسائل الخاصة بالتنشئة الاجتماعية في الطفولة، والتي يستخدمها المجتمع في تنشئة الأطفال، تعبر عن أنماط ثقافية مستمرة في المجتمع من ناحية، وتعتبر عامة بالنسبة لمعظم الأسر في المجتمع من ناحية أخرى.
نتيجة لذلك فإن البناء الأساسي للشخصية عند بعض العلماء النفسيين والاجتماعيين، يشير إلى أنه عند أعضاء مجتمع معين يستند إلى أسس اجتماعية معينة.
البناء الأساسي للشخصية يستخدم عند الدراسات الخاصة بالجماعات الصغيرة، المتماسكة نسبيًا كما هو الحال في القبائل البدائية أو المجتمعات المحلية الريفية.
من ناحية المجتمعات الحديثة والمتقدمة يستخدم البناء الأساسي للشخصية على أساس ما يعرف بالطابع القومي، إذ يمثل بناء الشخصية الأساسي الاستعدادات والتصورات والأساليب التي تربط الأفراد بعضهم ببعض، والثقافات والأيديولوجيات السائدة (المعتقدات، والمفاهيم الواقعية، والمعايير، التي تسعى إلى تفسير الظواهر الاجتماعية المعقدة في صورة مبسطة للاختيارات الخاصة بنظم الحياة السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات) مما يؤدي إلى الإحساس بالأمن في إطار النظام العام للمجتمع.
اقرأ أيضاً: طبيعة المجتمع الإنساني وما يتم بداخل من تدافع وتأثير فكري وسلوكي
ب. ماهية السلوك
نحن نحدد ماهية السلوك بما يمثل استجابة أو ردود فعل للفرد، ولا يتضمن الأفعال هنا فقط الاستجابات والحركات الجسمية والعضوية، بل تشمل أيضًا العبارات اللفظية (السلوك اللفظي) والخيارات الذاتية (القائمة على السلوك الإدراكي العقلي).
كما أن السلوك يعني الاستجابة الكلية أو الآلية التي تتدخل فيها إفرازات الغدد حين يواجه الكائن العضوي أي موقف.
يستخدم اللفظ من الناحية النفسية والاجتماعية مصطلح فعل وسلوك بمعنى واحد، إلا أن مصطلح السلوك أعم من الفعل، لأنه يشتمل على كل ما يمارسه الفرد ويفكر فيه، ويشعر به، بغض النظر عن القصد والمعنى الذي ينطوي عليه السلوك بالنسبة للفرد.
ج. أنماط السلوك
النمط السلوكي هو سلسلة الأفعال المتماثلة والمستقرة نسبيًا، والتي يقوم بأدائها مجموعة أشخاص أو جماعات، وتؤدي إلى الاستجابة بموقف معين.
وهذا النمط السلوكي يمكن أن يكون في صورة:
- سلوك مستتر (كائن)، وهو السلوك الخاص بفرد معين والذي قد يصعب على الآخرين ملاحظته، وإذ يمثل هذا النوع من السلوك مشاعر وأفكار الفرد، ورغم صعوبة ملاحظة هذا السلوك، إلا أنه يمكن أن يستنسخ من السلوك الظاهر لمجموعة الأفراد في مجتمع معين، أو عند قيامهم بوصف خبراتهم الخاصة وإيضاحها.
- السلوك الظاهر (المكشوف)، وهو السلوك الفردي الذي يمكن ملاحظته وتسجيله، وهو يقابل السلوك الكائن الذي يستنتج عن المشاعر والأفكار.
- السلوك الاجتماعي، وهو سلوك شخص معين أو مجموعة أشخاص معينين، ينتج عنه حدوث استجابة لسلوك أشخاص آخرين، دون أن يكون لهؤلاء الأشخاص وجود فيزيقي، وهذا يعني أن الشخص يستجيب في ضوء توقعه لسلوك الآخرين.
من هذا فالسلوك الاجتماعي رغم أنه يمثل استجابة لجماعات أخرى، فإنه قد لا يشتمل على الوجود الفيزيقي لأكثر من شخص واحد.
تعرف على: العلاقة بين السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية
اقرأ أيضاً: الإنسان والسلوكيات الأخلاقية
التعريف الإجرائي للسلوك الإنساني
- إن السلوك الإنساني يتأثر بمجموعة متوازنة ومتفاعلة من الجوانب الشخصية عند الفرد، والجوانب البيئية والظروف المتعلقة بها والتي يعيشها الإنسان.
- إن الفرد يتعلم السلوك من خلال احتكاكه اليومي والمستمر مع البيئة وما تتضمنه من أنساق مثل: الأسرة – الجيران – الحي – المدرسة.
- إن السلوك الإنساني يعد نشاطًا موجهًا ومقصودًا يسعى إلى تحقيق أهداف معينة، مثل إشباع الاحتياجات الإنسانية، أو تحقيق غايات معينة، مثل الحصول على شهادة دراسية، أو تحقيق نوع من التفاعل مع الآخرين.
- إن السلوك الإنساني يمكن تعلمه من الآخرين والبيئة المحيطة، كما يمكن في نفس الوقت التخلص منه إذا لم يتم تقبله من الآخرين.
- إن تعلم السلوكيات الإيجابية يحتاج إلى نوع من التوجية والإرشاد والنمذجة، إذ تقوم الأنساق الطبيعية مثل الأسرة بهذه المهمة، ويوجد أنساق أخرى مثل المدرسة والنادي الاجتماعي.
- إن التخلص من السلوكيات السلبية التي يرى المجتمع أنها غير مقبولة ولا تتواءم مع تقاليده وقيمه، يحتاج إلى معاونة المهنيين والمتخصصين لتوجيه وتعديل السلوك أو التخلص منه.
تتضمن قائمة المهنيين كلًا من: المعلم – المرشد الاجتماعي – الاختصاصي الاجتماعي – المعالج النفسي – القائمون على تنفيذ عمليات التأهيل النفسي والاجتماعي.
خصائص السلوك الإنساني
القابلية للتنبؤ
إن السلوك الإنساني ليس ظاهرة عفوية ولا يحدث نتيجة للصدفة، وإنما يخضع لنظام معين، وإذا استطاع العلم تحديد عناصر هذا النظام ومكوناته، فإنه يصبح بالإمكان التنبؤ به.
يعتقد معدلو السلوك أن البيئة المتمثلة في الظروف المادية والاجتماعية الماضية والحالية للشخص هي التي تقرر سلوكه، ولذلك نستطيع التنبؤ بسلوك الشخص بناء على معرفتنا بظروفه البيئية السابقة والحالية.
كلما ازدادت معرفتنا بتلك الظروف وكانت تلك المعرفة موضوعية أصبحت قدرتنا على التنبؤ بالسلوك أكبر، ولكن هذا لا يعني أننا قادرون على التنبؤ بالسلوك كاملًا، فنحن لا نستطيع معرفة كل ما يحيط بالشخص من ظروف بيئية سواء في الماضي أو الحاضر.
القابلية للضبط
إن الضبط في ميدان تعديل السلوك عادةً ما يشمل تنظيم الأحداث البيئية التي تسبق السلوك أو تحدث بعده أو إعادة تنظيمها، كما أن الضبط الذاتي في مجال تعديل السلوك يعني ضبط الشخص لذاته، باستخدام المبادئ والقوانين التي يستخدمها لضبط الأشخاص الآخرين.
الضبط الذي نريده من تعديل السلوك هو الضبط الإيجابي وليس الضبط السلبي، لذلك فإن أهم أسلوب يلتزم به العاملون في ميدان تعديل السلوك الإكثار من أسلوب التعزيز والإقلال من أسلوب العقاب.
القابلية للقياس
بما أن السلوك الإنساني معقد، لأن جزءًا منه ظاهر وقابل للملاحظة والقياس، والجزء الآخر غير ظاهر ولا يمكن قياسه مباشرة، فإن العلماء لم يتفقوا على نظرية واحدة لتفسير السلوك الإنساني، وعلى الرغم من ذلك فالعلم لا يكون علميًا دون تحليل وقياس الظواهر المراد دراستها.
عليه، فقد طور علماء النفس أساليب مباشرة لقياس السلوك مثل الملاحظة وقوائم التقدير والشطب، وأساليب غير مباشرة مثل اختبارات الذكاء واختبارات الشخصية، وإذا تعذر قياس السلوك مباشرةً فمن الممكن قياسه بالاستدلال عليه من نواحٍ مختلفة.
اقرأ أيضاً: أثر العقل الجمعي على السلوك الفردي
سلوك هادف
السلوك الإنساني لا بد أن يكون من أجل تحقيق هدف ما، أو يوجه الفرد استجابته لتحقيق الهدف من خلال السلوك لإشباع الحاجة المطلوبة، وليس من الضروري أن يكون الإنسان مدركًا لهدفه بوضوح أو أن يكون معروفًا لديه، ولكن قد يبدو الإنسان لا يعرف ما يريد، إذ يتحرك لإشباع حاجة تتحرك بداخله، وبصفة خاصة الحاجات التي تظهر للإنسان في مراحل نموه العمري أو الوظيفي، أو لم تكن لديه خبرة سابقة عنها.
سلوك مسبب
أي لا ينشأ السلوك البشري من فراغ، ولكن هناك دائمًا مؤثر (سبب) يؤدي إلى نشأة وظهور السلوك، وهذا المؤثر يؤدي إلى تغيير في ظروف الفرد الشخصية (الفسيولوجية أو النفسية) أو الظروف المحيطة به، أو في البيئة الاجتماعية المحيطة به.
يؤدي ذلك إلى اختلال التوازن القائم بين الفرد وبين الظروف، ويؤدي ذلك إلى أن يسعى الفرد بفكره وجهده إلى إشباع السلوك المناسب الذي يمكّنه من أن يعود إلى توازنه السابق.
إن السبب أو المؤثر الذي يدفع الإنسان لإشباع سلوك معين قد يكون داخليًا، مثل حاجة الإنسان للماء عند شعوره بالعطش، أو حاجته للراحة عند شعوره بالتعب.
قد يكون السبب خارجيًا يضطر الفرد إلى سلوك معين للتوافق مع المجتمع، وتأتي الأسباب الخارجية من المعايير التي يحددها المجتمع، حتى وإن تغيرت هذه المعايير بفعل الزمن أو بفعل الإنسان، يغير من سلوكه مرات عديدة من أجل التوافق مع هذه الظروف، فعندما يبحث الإنسان عن احترام الناس فإن ذلك يتطلب أن يكون سلوكه مرتبطًا بالمعايير التي يحددها المجتمع في ذلك الوقت، وعند تغيير هذه المعايير بعد فترة زمنية يتطلب من الإنسان تعديل سلوكه مرة أخرى.
سلوك مرن
يظهر السلوك البشري في أشكال متعددة ومختلفة للموقف الواحد الذي يواجه الفرد فيه ظروفًا محتلفة، ولمجموعة من الأفراد في موقف واحد أو مواقف مختلفة، وذلك يحدد الهدف أو الدافع والحاجة والتوافق مع البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد، كما أن السلوك البشري يختلف طبقًا للمواصفات الشخصية للفرد ومحصلة هذا التفاعل مع البيئة المحيطة.
يتبع.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا