أن تصدق أنك أقل
معضلة أخلاقية تحدث كثيرًا، حين يجد ظالم أن مصلحته في الظلم، وفي الوقت ذاته يريد أن ينظر إلى نفسه أنه على حق وأخلاقي!كيف يريح ضميره؟
أسهل طريقة أن يقول لنفسه أن الضحية تستحق ما هي فيه من ظلم! وهذا ما يسمى عنصرية!
مظاهر العنصرية
تقديم المصلحة الشخصية
مثلًا شخص يعيش في الغرب، شخص طيب، مؤمن بدين يحض على العطف والرحمة والأخلاق، يرى ما تفعله بلاده من ظلم واستغلال للبشر والشعوب في فلسطين أو العراق أو أي بلد في آسيا أو أمريكا الجنوبية أو إفريقيا، يرى أن هذا خطأ ومنافٍ للدين والأخلاق وظلم وحرام.
لكن يفكر ويكتشف أن من مصلحته الشخصية أن يستغل هؤلاء البشر، ومن دون هذا الاستغلال، لن تكون بلده غنية ولن يعيش في رفاهية، ماذا يفعل؟ كيف يوازن بين مصلحته وضميره؟
ببساطة يقنع نفسه أن هؤلاء البشر الذين يعيشون في هذه البلاد يستحقون ما هم فيه! أنهم ليسوا بشرًا بل وحوش، أو أنهم بشر أشرار، أو بشر أقل في الدرجة (العنصرية)، المهم أن يجد تخريجة أخلاقية تساعده على أن يكمل حياته وهو يستمتع بها، وفي الوقت ذاته يستمر في احترام نفسه ولا ينظر إليها على أنه مجرم مشارك في الجريمة بصورة أو بأخرى!
اقرأ أيضاً: الأخلاق أم المصالح؟
خلق التبريرات
الديكتاتور الظالم المستبد، الحاكم الفاشل، كيف يتعايش مع نفسيته؟ ببساطة يقنع نفسه أن هذا الشعب الشرير يستحق ما هو فيه من قمع وإرهاب وتخويف وظلم وفقر، يقول لها أنه لولا هذا الظلم لكان هؤلاء الناس من أشباه البشر تحولوا إلى فوضى وغابة، لكنه بظلمه وتخويفه هو الذي يحمي هؤلاء، لأنهم أقل في المستوى، لا يستطيعون اتخاذ قرار صحيح من دون الظلم والكبت والتخويف، ينظر إليهم كأنهم قطيع حيوانات لا يستطيع اتخاذ قرار دون الراعي الجزار وكلابه، عنصرية! ينظر إلى شعبه أنهم أقل في المستوى البشري!
الضابط الذي يعذب الناس، الحرامي الذي يسرق الناس، الموظف الشرير، هؤلاء كلهم يريحون ضميرهم بالطريقة ذاتها، يقنع نفسه أن الضحية تستحق ما هي فيه، عنصرية!
كذلك إسرائيل، التي تقول لنفسها أنها المكان الذي ينقذ اليهود من ظلم الأوروبيين وعنصريتهم ومذابح الهولوكوست، تكون هي نفسها عنصرية ترتكب المذابح ضد الفلسطينيين، فكيف تتعايش مع هذا التناقض؟!
تقنع نفسها أن الشعب الفلسطيني كله إرهابيون أشرار! وأنهم كلهم مجانين يحبون العنف والقتل، وأن المقاومة الفلسطينية ليست نتيجة طبيعية للظلم والاضطهاد والاحتلال، لكنها طبيعة في هذا الجنس غير البشري! العنصرية!
لماذا تحول الضحايا إلى جلادين؟
العنصرية فكرة غير منطقية تقول أن عِرقًا أفضل من عرق أو شعبًا أفضل من شعب، أو أذكي أو أحسن! لكنها رغم أنها غير منطقية، يستعملها كثير من الظالمين لراحة ضميرهم، وتكملة حياتهم اليومية مع الحفاظ على احترامهم لأنفسهم، كي لا يشعر أنه مجرم.
فكرت في هذا منذ بضعة أسابيع حين رأيت نصبًا تذكاريًا في مدينة سان فرانسيسكو لتخليد ذكرى مذابح الأوروبيين ضد اليهود، أو ما يسمى الهولوكوست!
كيف هؤلاء الضحايا أنفسهم يتحولون إلى جلادين؟ كيف تحول هؤلاء اليهود، الذين تعرضوا طوال 3000 سنة للإذلال والعبودية من شعوب الأرض كلها، الفراعنة، الآشوريين، الرومان، العرب، الأوروبيين، شعوب الأرض كلها استعبدتهم وأذلتهم، كيف تحول هؤلاء إلى أكثر الشعوب شرًا في التاريخ؟ وكيف ينظرون إلى أنفسهم وهم يقتلون الفلسطينيين ويسرقون أرضهم وممتلكاتهم؟
ببساطة فكرة العنصرية أن تقنع نفسك أنك أفضل، وأن الضحية تستحق ما هي فيه.
اقرأ أيضاً: من البطل؟!
كيفية مناهضة العنصرية
لكن الكارثة أن تصدق الضحية أنها تستحق ما هي فيه! أن تصدق أنك أقل، أو تستحق الحياة في ظلم وكبت وإذلال وتجويع وخوف! أن تصدق أنك أقل أو أن العيب فيك أو أنه خطأ منك!
تمامًا كما يُفعل بضحايا الاغتصاب! يقنعونهن أنه خطأهن!
أعتقد أنه بجوار كل نصب تذكاري لتخليد ضحايا مذابح الأوروبيين ضد اليهود، يجب بناء نصب تذكاري آخر لتخليد ضحايا مذابح الإسرائيليين ضد الفلسطينيين!
على كل فلسطيني وعربي ومسلم أن يقاوم العنصرية وأن لا يصدق خرافة أنه أقل أو يستحق أن يعيش في ظلم وكبت واحتلال.
أعطني الحرية، أو أعطني الموت.
اقرأ أيضاً: ما يُولدُ في الظلمات يفاجئه النور فيعريه!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا