العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الواحد والسبعون
المدرسة المشَّائية: (69) أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صوان الحكمة" [6] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: منظور أبي سليمان للتأريخ الفلسفي: منظومة حضارية واحدة
تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أبي سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة” [5] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: السجستاني فيلسوفًا صاحب منهج تأريخي للفلسفة.
ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة”.
تقسيم الفلسفة: حكمةٌ عامةٌ (= فلسفة) وطبٌ (= علم)
وكما تنقسم الحكمة إلى وافد وموروث ينقسم الوافد إلى فلسفة عامة وطب، أي إلى فلسفة وعلم. فالعلم لا يفارق الفلسفة والفلسفة تحتضن العلم.
رأيان في تقسيم الفلسفة: رأي عامة المؤرخين، ورأي الفيلسوف “يحيى النحوي”
ويعبر تقسيم الحكمة إلى فلسفة وطب عن رأيين في ظهور الفلسفة، الأول: الرأي الشائع عند المؤرخين، يونان ومسلمين، والثاني: رأي يحيى النحوي، الذي يرى أن الطب شامل للفلسفة والرياضيات والفلك والسياسة، فالفلسفة علمية بالضرورة، ولا توجد فلسفة خارج العلم، كما يقول حسن حنفي. وقد تابع أبو سليمان رأي يحيي النحوي فجمع في تأريخه بين الفلسفة والطب.
منظور أبي سليمان للتأريخ الفلسفي: كوني وعالمي
هناك إذًا آراء متعددة في ظهور الفلسفة وليس رأيًا واحدًا مما يدل على أن كتابة التاريخ لا تخضع لمنظور واحد، بل كل تأريخ يخضع لمنظور صاحبه، ولقد كان منظور أبي سليمان واسعًا ومتسعًا ليضم علوم الحكمة: الفلسفة والطب معًا، غير المسلمين والمسلمين جميعًا. كان منظوره كونيًا وعالميًا.
تأريخ الفلسفة: الوافد أكثر من الموروث
وبإحصاء بسيط –أجراه حسن حنفي– نجد أن السجستاني قد غلب عليه الوافد أكثر من الموروث، إذ يبلغ أسماء الوافد خمسة أضعاف أسماء الموروث، الوافد (153) والموروث (28): يورد أبو سليمان أسماء ثلاثة عشر طبيبًا يونانيٍّا على لسانه، وأسماء مائة وأربعين طبيبًا يونانيٍّا آخر على لسان يحيى النحوي، أي مائة وثلاثة وخمسون اسمًا يضمون أسماء الفلاسفة صغارًا وكبارًا، فلاسفة ورياضيين وعلماء وحكماء وشعراء ومشرعين بألقابهم، مثل: الحكيم، والمعلم الأول، والشيخ اليوناني، وشراح، وأطباء. وتتكرر بعضُ الأسماء، مثل: سقراط وفيثاغورس وأفلاطون وأرسطو وأنقسيمانس وأنكساجوراس وزينون.
فإذا تساءلنا لماذا الوافد أكثر من الموروث؟
قلنا –كما أقترحُ– هذا أمرٌ طبيعي، فالفلسفة الوافدة –من اليونان حتى عصر الإسكندرية– قد مرَّ عليها القرونُ الطوالُ، في حين أن الفلسفة الإسلامية –من الكندي حتى عصر السجستاني– لم يمضِ عليها أكثرُ من قرنين فقط!
تقسيم كتاب “صوان الحكمة”: فلاسفة وأطباء في منظومة حضارية واحدة
وعلى ذلك، سيحتوي كتاب “صوان الحكمة” على قسمين، الأول: تأريخ الفلاسفة يونان ومسلمين، والثاني: تأريخ الطب، يونان فقط. وذلك وفق الجزء الباقي المختصر من كتاب صوان الحكمة، كما لخصه عمر بن سهلان الساوي. ورغم توالي الأسماء بلا نسق ونظام، والانتقال من موضوع إلى موضوع دون ترتيب فالفلاسفة يتوالد بعضهم من بعض، الآخر من الأول –على حد تعبير حسن حنفي– في منظومة حضارية واحدة.
الهدف من تأليف السجستاني كتاب “صوان الحكمة”
الهدف الرئيس من كتاب صوان الحكمة إنما هو هدفٌ تأريخي خالص، أي: إثبات تواريخ الحكماء وأسمائهم وبعض كلامهم وأخلاقهم، ونكتهم ونوادرهم دون الرد على الأفكار الفلسفية أو نقدها، فتأريخ أبي سليمان تأريخ وصفي لا تأريخ نقدي، فمهمة نقد الأفكار الفلسفية وبيان صحيحها من زيفها، موكولةٌ إلى كتب أخرى متخصصة في نقد المقالات وتفنيدها وليس محلها كتاب “صوان الحكمة” الذي أراده أبو سليمان تأريخًا خالصًا. وفي ذلك يقول السجستاني موضحًا منهجه في التأريخ وهدفه منه: “وإنما لم أورد ما أنكرته الحكماءُ الموحدون من بعض هذه المقالات وَرَدَّته على أصحابها، لأنه غيرُ لائقٍ بهذا الموضع. وقد أُودع الكتبُ من ذلك ما فيه كفاية ومقنع، ولم يكن القصدُ –ها هنا– إلا ذكر التاريخ وإتباعه بالنكت والنوادر. فدخل فيه ذكرُ المقالات بالعَرَض والقصد الثاني”.
تأريخ الفلسفة: تفسير السجستاني: لماذا كتب الفلاسفة غامضة؟
يقرر السجستاني حقيقةً باديةً في كتب الفلاسفة وهي: غموض الأسلوب الفلسفي. وقد أرجع السجستاني أسبابَ غموض الكتب الفلسفية إلى أسباب ثلاثة، وفي ذلك يقول أبو سليمان: “وليست كتبهم (يعني الفلاسفة) المصنفة في هذه الأبواب بحيث يُوقف عليها من غير فاتحٍ يفتحها، فإنها محشوة بالرموز والألغاز. وإنما كانوا يتعهدون ذلك لمعانٍ ثلاثة، أحدها: الكراهة، لئلا يغوص أحدٌ على أسرار الحكمة ممن ليس لها بأهل، فتصير عدةً له على اكتساب ضرب من الشرارة (الشر). والثاني: أن لا يتوانى العاشق لها في بذل العناية لاقتنائها، وإن لحقته المشقة في تحصيلها. ويستصعبها الكسلانُ لغموضها ويزدريها. والثالث: تشحيذ الطبائع باستكداد الفكر لئلا يجنح المتعلمُ إلى طِيْب الدَّعة ورَوْح النفس، ويُقْبِل بجهده على تفهم ما ينفر عنه”.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة” [7] السجستاني مؤرخ الفلسفة: تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: منهجية أبي سليمان في تأريخه الفلسفي.
مقالات ذات صلة:
الجزء السابع والستون من المقال
الجزء الثامن والستون من المقال
الجزء التاسع والستون من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا