العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الثامن والستون
المدرسة المشَّائية: (66) أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صوان الحكمة"
[3] الرد على أطروحة الفصل بين الفلسفة والدين
تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أبي سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة” [2] أطروحة الفصل بين الدين والفلسفة.
ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة”.
ردود “البخاري” تلميذ السجستاني على أطروحته فصل الدين عن الفلسفة
فلما رد عليه تلميذه البخاري قائلًا: “وقد اختلفت أيضًا درجات النبوة بالوحي، وإذا ساغ هذا الاختلاف في الوحي ولم يكن ذلك ثالمًا له (قادحًا له)، ساغ أيضًا في العقل ولم يكن مؤثرًا فيه”. صاح فيه أبو سليمان: “يا هذا! اختلاف درجات أصحاب الوحي لم يخرجهم عن الثقة والطمأنينة بمن اصطفاهم بالوحي وخصهم بالمناجاة واجتباهم بالرسالة، وأكملهم بما ألبسهم بمن شعار النبوة. وهذه الثقة والطمأنينة إلا في الشيء القليل والنزر اليسير، وعوارُ هذا الكلام ظاهر، وخَطَلُ هذا المتكلم بيّن”.
نقد الوزير أبي عبد الله العارض لأبي سليمان السجستاني
وموقف أبي سليمان هذا موقف غريب من فيلسوف يعرف بالمنطقي والعقلي، ولهذا قال الوزير أبو عبد الله العارض حين سمع ما عرضه أبو حيان التوحيدي من رأي أبي سليمان: “ما عجبي من جميع هذا الكلام إلا من أبي سليمان في هذا الاستحقار والتغضُّب، والاحتشاد والتعصُّب، وهو رجل يعرف بـ”المنطقي” وهو من غلمان يحيى بن عدي النصراني، ويقرأ عليه كتب يونان وتفسيرَ دقائق كتُبُهم بغاية البيان”.
تفسير أبي حيان التوحيدي لموقف السجستاني المتناقض
حاول أبو حيان أن يفسر موقف أبي سليمان على أساس أن هذا يميز بين الفلسفة والشريعة على أساس أن كلتيهما حق، لكنهما تختلفان في المصدر الذي تعتمد عليه كل واحدة منهما. قال أبو حيان: “إن أبا سليمان يقول إن الفلسفة حقٌ لكنها ليست من الشريعة في شيء، والشريعة حقٌ لكنها ليست من الفلسفة في شيء. وصاحب الشريعة مبعوثٌ، وصاحب الفلسفة مبعوثٌ إليه. وأحدهما مخصوص بالوحي، والآخر مخصوص ببحثه. والأول مَكْفِيٌ، والثاني كادح. وهذا يقول: أُمِرْتُ وعُلّمْتُ، وقيل لي، وما أقول شيئًا من تلقاء نفسي. وهذا يقول: رأيتُ ونظرتُ واستحسنت واستقبحت. وهذا يقول: نور العقل أهتدي به. وهذا يقول: معي نور خالق الخلق أمشي بضيائه. وهذا يقول: قال الله تعالى، وقال المَلَك. وهذا يقول: قال أفالاطن (أفلاطون) وسقراط. ويُسْمَع من هذا ظاهر تنزيلٍ، وسائغُ تأويل، وتحقيق سُنّة، واتفاق أمّة. ويُسْمعَ من الآخر: الهيولى والصورة، والطبيعة والأسطُقُس، والذاتي والعَرَضي، والأيسي (الوجودي) والليسي (العدمي)، وما شاكل هذا مما لا يُسْمَع من مُسْلمٍ ولا يهودي ولا نصرانيٌ ولا مجوسيٌ ولا مانويّ”.
ثم يعرض أبو حيان رأي أبي سليمان النهائي في هذه المسألة:
“من أراد أن يتفلسف فيجب عليه أن يعرض بنظره عن الديانات. أن ينفرد (ينصرف) بعنايته عن الفلسفة، ويتحلى بهما مفتّرقَيْن في مكانين على حالين مختلفين، ويكون بالدين متقربًا إلى الله تعالى على ما أوضحه له صاحب الشريعة عن الله تعالى، ويكون بالحكمة متصفحًا لقدرة الله تعالى في هذا العالم الجامع للزينة الباهرة لكل عين، المُحَيّرة لكل عقل. ولا يُهدم أحدهما بالآخر، أعني لا يجحد ما ألقى إليه صاحبُ الشريعة مجملًا ومفصلًا، ولا يغْفَلُ عما استخزن اللهُ تعالى هذا الخلقَ العظيمَ على ما ظهر بقدرته، واشتمل بحكمته، واستقام بمشيئته، وانتظم بإرادته، واستتم بعلمه. ولا يعترض على ما يبعد في عقله ورأيه من الشريعة وبدائع آيات النبوة بأحكام الفلسفة، فإن الفلسفة مأخوذة من العقل المقصور على الغاية، والديانة مأخوذة من الوحي الوارد من العلم بالقدرة”.
قال: “ولعمري إن هذا صعب. لكنه جماع الكلام وأخذُ المستطاع وغايةُ ما عرض له الإنسان المؤيد باللطائف، المزاح بالعلل، وبصروف التكاليف.”
قال: “ومن فضل نعمة الله تعالى على هذا الخلق أنه نهج لهم سبيلين ونصب لهم عَلَمين، وأبان لهم نجدين، ليصلوا إلى دار رضوانه إما بسلوكهما وإما بسلوك أحدهما”.
وهكذا نجد أبا سليمان –كما لاحظ التوحيدي بحق– “قد أفرز (فصل) الشريعة من الفلسفة، ثم حث على انتحالهما معًا. وهذا شبيه بالمناقضة”.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة”. [4] السجستاني مؤرخ الفلسفة: تأريخ عالمي للفلسفة اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية.
مقالات ذات صلة:
الجزء الرابع والستون من المقال
الجزء الخامس والستون من المقال
الجزء السادس والستون من المقال
الجزء السابع والستون من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا