العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء التاسع والستون
المدرسة المشَّائية: (67) أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صوان الحكمة" [4] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أبي سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة” [3] الرد على أطروحة الفصل بين الدين والفلسفة.
ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة”.
السجستاني: الفيلسوف عندما يؤرخ للفلسفة
ليستِ الفلسفةُ الإسلاميةُ فلسفةً اعتنى فلاسفتُها بالقضايا الفلسفية ترجمةً وبحثًا ونقدًا وإضافةً فقط، بل كانت لهم مساهمتُهم الممتازةُ في تدوينِ تأريخٍ عالمي للفلسفة (وهذا الجانب لم يوله الباحثون المسلمون تمام حقه، ولا بعض حقه، من الفحص والدرس والتأويل). فإذا كانت الفلسفةُ قد بلغت ذروتَها في الحضارة اليونانية، فإن الفلسفةَ الإسلاميةَ قد أضافت قمةً جديدةً إلى قمم الشواهق الفلسفية القديمة، فأراد فلاسفتُها –وعلى رأسهم السجستاني– المساهمةَ في تدوين “تأريخ عالمي للفلسفة”، يظهر فيه أعلامُ فلاسفةِ الإسلام جنبًا إلى جنب مع أعلام الفلاسفة اليونان، بصفتهم شخصيات بارزة على مسرح الفلسفة العالمي، فلاسفةً تابعوا مسيرةَ الفلسفةِ وأكملوا النقصَ الذي تركه فلاسفةُ اليونان، ليأتي مِنْ بعدهم مَنْ يتم النقصَ الذي تركوه، وهكذا يتطور تأريخُ الفلسفة عبر العصور إلى اليوم، لا تأريخًا مضى وانقضى، بل تأريخًا حيًا ساريًا عبر الحضارات الإنسانية كأنه حضارةٌ قائمةٌ برأسها: حضارةُ التعقلِ والتفلسفِ: مَيْزةُ الجنسِ البشري وفخرُ إنجازِه الحضاري، وآيةُ إخفاقهِ ونسبيته في الوقت ذاته.
من هذا المنطلق كتبَ أبو سليمان المنطقي السجستاني الفيلسوفُ كتابَه المهمَ في تأريخ الفلسفة، أعني كتابه: “صوان الحكمة”.
صِوانُ الحكمةِ: تأريخٌ ومجمعٌ عالميٌ لكبارِ العقولِ الإنسانية
كان أبو سليمان ينتمي إلى مجموعةٍ –كما يروي التوحيدي– تشاركُ في صياغة الفلسفة اليونانية علنًا بعد أن قام بذلك إخوانُ الصفا سرٍّا، ومثل مجموعة اليونانيين في القرن الرابع الهجري، ومعظمهم من النصارى، مثل: الأسفزاري، ابن حبان، طلحة، أبو تمام، ومثل جماعة اليونان في القرن الرابع: ابن زُرعة، ابن الخمار، ابن السمح، مسكويه، نظيف النفس الرومي، عيسى بن علي، العامري، وغيرهم.
كان أبو سليمان يحفظ أقوالَ اليونانيين، وخصوصًا أفلاطون وأرسطو، والفلاسفة السابقين على سقراط، ومن جاء بعدهم من الإسكندرانيين: أفلوطين وفلاسفة مدرسة الإسكندرية. وكان قد تتلمذ على يد كبار المترجمين والمؤرخين للفلسفة اليونانية: متى بن يونس، ويحيى بن عدي، فقد حمل المسيحيون لواءَ الترجمة، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وكان هناك حرصٌ على جمع المخطوطات اليونانية ونقلها إلى اللغة العربية. هذا لا يعني –كما يقول حسن حنفي– أن أبا سليمان كان يوناني الاتجاه، بل إنه كان يمهِّد الطريق لغيره لتوظيف الوافد (اليوناني) لصالح الموروث (الإسلامي)، وإعداد علوم الوسائل من أجل تحقيق علوم الغايات، بإخلاص تام وتجرُّد عن الدنيا، فقد كان يعيش على الكفاف. وكان شاعرًا بالإضافة إلى الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة.
موقف أبي سليمان في تأريخه موقف الفيلسوف الموسوعي العالمي واسع الأفق، فكما كان منزله –على حد تعبير القفطي– “مقيلًا لأهل العلوم القديمة”، لنخبةٍ من الفلاسفة والحكماء من مسلمٍ ونصراني ويهودي، وكما كان بيتُه مقصدَ العلماء ليلًا ونهارًا، (راجع جزء: [66])، كذلك كان تأريخُه وكتابُه “صوان الحكمة” مجمعًا عالميًا لكبار العقول في الحضارة الإنسانية، على اختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم وثقافاتهم وموروثاتهم، فالفلسفة –وحدها– والحكمة –بمفردها– قادرة على تجميع البشر “المختلفين” تحت مظلة العقل الإنساني “الواحد”.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة” ونبدأ في تحليل تأريخه الفلسفي وتأويل إشاراته، اعتمادًا على ما بقي في أيدينا من كتاب صوان الحكمة، أعني مختصر عمر بن سهلان الساوي المسمى “المنتخب من صوان الحكمة”. [5] السجستاني مؤرخ الفلسفة: تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية.
مقالات ذات صلة:
الجزء السادس والستون من المقال
الجزء السابع والستون من المقال
الجزء الثامن والستون من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا