مقالات

الاستبدال

يسعى الإنسان السوي وراء الهدوء والاستقرار بكل ما أوتي من قوة، يطلب ذلك بجهده، فراحة البال والراحة النفسية والبدنية أمور غالية لا يعرف قدرها وقيمتها إلا مَن افتقدها.

ولِمَ لا؟! ولا أمان إلا في البيت الذي يؤويه ويسكنه والعمل الذي يسعى إليه ويحبه ويتقاضى منه الأجر لتسيير شؤونه، ولهذا فإن الذي يأمن في سِرْبه وعنده قوت يومه فقد حاز الدنيا ومَن فيها ومَن عليها.

مع هذا، فلا تخلو المعيشة من التنغيص والتكدير والتعب فهي صفات لصيقة بالإنسان منذ مولده إلى أن يلقى ربه، فما إن تطأ قدمه الحياة فيبدأ بالصراخ، وبعدها يقابَل بالمشكلات سواء التافهة منها أو الكبيرة أو حتى المُفتعَلة.

فقد يضيق الزوج ذرعًا بزوجته فيتزوج عليها، فإن أبقاها فقد أكرمها أو يستبدلها بغيرها ويريح رأسه، أو لم تعد الزوجة تتحمل فتطلب الانفصال (وما أكثره في الأزمنة المتأخرة)، نتيجة لاعتبارات مجتمعية واهية وأفكار مبتورة، وكلها ناجمة عن عدم الوعي والفهم.

وما أحوج شبابنا، شباب الإنترنت والمعلومات المشوّهة السريعة والانفتاح على الغرب بكل ما يبثه ويحقنه من معتقدات وأفكار بعيدة عن أصولنا وهويتنا، إلى حسن التربية والتركيز والبرامج الإرشادية لتفادي تلوث الأدمغة والحدّ من نِسب حالات الطلاق المرعبة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هو الاستبدال؟

الاستبدال تغيير الشيء بآخر، مثل استبدال أثاث المنزل أو السيارة أو العمل أو الموبايل أو أي شيء من الأمور الحياتية، وذلك عند تسلل العطب أو من باب الرفاهية وحب التجديد ومواكبة الحديث.

فقد يترك الموظف أو العامل عمله ليبحث عن عمل آخر يكون مناسبًا ويوفر له مزيدًا من المال، جاءني طالب لزيارتي بعد أن تخرج من الليسانس بعدة أشهر، فسألته عن أحواله فأخبرني أنه ليس مرتاحًا في عمله الحالي وسيتركه ويستبدل به عملًا آخر أكثر ملاءمة لتخصصه ويحصل على أجر أكثر.

إنّ جميع الاستبدالات الدنيوية في كِفّة واستبدال الله عباده واختيار غيرهم لتقصيرهم في أداء دورهم المنوطين به في كِفّة أخرى تمامًا، فذلك لا يكون إلا بالحيْد عن الطريق القويم ووجود فجوة بين الإقبال على الدنيا ونسيان الآخرة.

من المعلوم أن الكثرة الكاثرة عندما تجتمع على أمر فليست دليلًا على الصواب والمشي على الصراط، فإذا شرب معظم الناس الخمر أو اجتمعوا على باطل لا ينبغي اتباعهم، وأحيانًا يشوب الأكثرية الكدر وعدم الصفاء، فإذا نصحهم أحد بما لا يوافق هواهم قاموا عليه، فالأقلية ليست دليلًا على الضَعف أو انكسار الجناح وإنما قد تكون مصدر قوة، فقد كان يدعو أحدهم بقوله: “اللهم اجعلني من الأقلين”.

سنة الاستبدال من السنن المرتبطة بالنصر

وما فلسطين والمسجد الأقصى –أحد أفضل ثلاثة مساجد– عنا ببعيد، فالدول لم تتحرّر من ربقة الاحتلال إلا بالمقاومة وبذل الغالي والنفيس، وعلى سبيل المثال الدول العربية وفرنسا كسرت القيد وفكّت الأغلال لتتنفس الحرية وهواء الله المجاني.

فالله عدل لا يحب الظلم، وهي معادلة: إما أن تكافح وتناضل من أجل الحرية والانفكاك من العبودية الآثمة وإما الرضوخ والرضا، هنا وهنا فقط –وبعد إمهال الله العدل– يكون الاستبدال مهما تشدّق البعض، فالكلام سهل ووحده لا يكفي لتحرير الأرض والحفاظ على العِرض.

إنّ اعتزام الاحتلال الفاشي تطبيق ما أطلق عليه (خطة الجنرالات)، وهي محاولة إشباع غريزته في الاستيلاء على مزيد من أراضي شمال قطاع غزة وفصْله عن جنوبه ووسطه، وتحويلها إلى منطقة عسكرية معزولة، وتحقيق ما فشل فيه في الميدان من مواجهة الأبطال واستبدال السطو المسلح بها، لهي الخِسّة والدناءة في أدنى معانيها بفرض مزيد من خططه البالية للقتل والتجويع وخنق المدنيين العُزَّل، وممارسة التطهير العرقي التي تنبئ عن الحقد الدفين والافتقار إلى الإنسانية.

مقالات ذات صلة:

التغيير سنة الكون

أن تكون مرتاح البال

هل يمكن أن تكون للآلام والمعاناة فائدة؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر