قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء السبعون

المدرسة المشَّائية: (68) أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صوان الحكمة" [5] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: السجستاني فيلسوفًا صاحب منهج تأريخي للفلسفة

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أبي سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة” [4] تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: الفيلسوف عندما يؤرخ للفلسفة.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: أبو سليمان السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: “صوان الحكمة”.

السجستاني: فيلسوف يؤرّخ للفلسفة

ليس السجستاني –وأتفقُ مع حسن حنفي– مؤرخًا مثل القفطي أو ابن أبي أصيبعة، بل “فيلسوف يؤرخ للفلسفة، يعي وحدة عمله، ويذكر بالسابق منها واللاحق، يختصر ويشرح وفق الموقف، ويعود على بدء، ويقدِّم ويؤخِّر من رؤية فلسفية شاملة. ومن ثم يكون أبو سليمان أقرب الفلاسفة المؤرخين لهيجل الذي يؤرخ للفلسفة الغربية من وجهة نظر الفلسفة (الهيجلية)”.

مصادر التأريخ الفلسفي لكتاب “صوان الحكمة”: شفاهية ومدونة، مؤلفة ومترجمة

ويعتمد أبو سليمان –في كتابة تأريخه الفلسفي– على مصادر شفاهية ومدونة، روايات وكتب، مؤلفة ومترجمة. المصادر الشفاهية مثل: “سمعت الملك يقول”، “حدثني الأستاذ أبو علي أحمد بن محمد مسكويه”. ويصرِّح بأنه “فتَّش في الكتب”. ويقتبس من حنين بن إسحاق “من نوادر الفلاسفة والحكماء”، ويحيى بن عدي، والتوحيدي في كتابه “البصائر”، وابن النديم في كتابه “الفهرست”، وعلى كتاب يحيى النحوي الذي يسميه الناس “المحب للتعب”. ومن المصادر المترجمة: مؤلفات أوزبيوس (= يوسيبوس) “في الرد على هرقل فيما ناقض الإنجيل”، ويشير إلى كتاب “الفصول” لأبقراط، وكتاب “تفضيل لذات النفس” لشهد بن الحسن، إلخ.

تأريخ عالمي للفلسفة: وافدٌ وموروثٌ

يتَّبع أبو سليمان السجستاني في تأريخه العالمي للفلسفة، في كتابه “صوان الحكمة”، تقسيمَ تأريخ الفلسفة قسمين: القسم الأول: تأريخ الفلاسفة القدماء يونان وسكندريين. القسم الثاني: تأريخ الفلاسفة الإسلاميين. ويعد من الفلاسفة الإسلاميين كذلك الفلاسفة من النصارى والفلاسفة من الصابئة، فينظر إلى جميعهم بعدّهم فلاسفة إسلاميين. فالفلسفة توصف بـ”العربية”: لسانًا لا جنسًا، وتنعت بـ”الإسلامية”: حضارةً لا دينًا. وتحت كل قسم من قسمي تأريخ الفلسفة يذكر أسماء الأعلام: أعلام الفلاسفة القدماء، وهم يمثلون قسم الوافد، وأعلام الفلاسفة الإسلاميين، ويمثلون قسم الموروث.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تأريخ الفلسفة: لا شعور بالدونية الحضارية

وأوَّل ما نلاحظه على هذا التقسيم أن مؤرخَ الفلسفةِ المسلم: السجستاني، لا يشعر بأدنى دونية تجاه عمالقة الفلاسفة اليونانيين، فضلًا عن غير اليونانيين، فيدرج أسماء الفلاسفة المسلمين بعد اليونانيين، فالفلسفة الإسلامية –في نظر مؤرخ الفلسفة العالمي السجستاني– لا تقل قيمةً أو أهميةً عن الفلسفة اليونانية، وهذه نقطة يهديها أبو سليمان إلى الذين يشعرون بأن فلاسفة المسلمين أقل من غيرهم، وهذا جَدهم الفيلسوف والمؤرخ السجستاني يؤرخ لكل من شارك ويشارك في خدمة العقل الإنساني من الفلاسفة، دون تفرقةٍ من جنس أو دين.

تأريخ الفلسفة: الاعتراف بفضل الفلاسفة اليونان

ومع ذلك يحفظ أبو سليمان الأهمية التقريبية لفلاسفة اليونان: الذين لهم فضل السبق الفلسفي على الجنس البشري فيذكر: أرسطو، جالينوس، هوميروس، فيثاغورس، أبقراط، أفلاطون، سقراط، ديوجينس، سولون، ثم الفلاسفة الصغار الأقل أهمية. وإذا كان الحكماء خمسة فمنهم أربعة من اليونانيين: فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو. وواضح أن أرسطو أهم الفلاسفة جميعًا ويسميه –بألف ولام التعريف– “الحكيم” فإن قال: “ذَكَرَ الحكيمُ” فإنه يعني بالحكيم: أرسطو طاليس. ويأتي الشعراء مثل هوميروس قبل الفيلسوف أفلاطون. وأبقراط الطبيب يأتي في المرتبة الثانية بعد جالينوس الطبيب، فأبقراط هو الطبيب في حين أن جالينوس هو الحكيم. ويأتي فيثاغورس قبل أفلاطون لأنه مؤسس المدرسة. ثم يأتي سقراط مع الأخلاقيين، مثل: ديوجينس، والمشرعين، مثل: سولون، كما يقول حسن حنفي.

تأريخ الفلسفة: أمانة النقل

نقل أبو سليمان في تأريخه للفلاسفة أسماءهم وأخبارهم ونوادرهم بدقة وأمانة كما وصلت إليه، فلم يتبع ترتيبًا تاريخيًا دقيقًا، أي: دون كرونولوجيا دقيقة، لأنه هكذا وصل التأريخ إليه فأداه كما وصله، وفي ذلك يقول السجستاني: “إنا وجدنا، فيما فتشنا من الكتب، اختلافًا كبيرًا في تواريخ سني الفلاسفة بحيث لم نجد بدًا من إيراد كله على التفاوت الموجود في أثنائه، طلبًا للخروج من العهدة فيه، وصرف المذمة والمحمدة في صوابه وإخلاله إلى قائليه. وقد قيل للحسن بن سهل: لم تجعل كلام الأوائل حجة؟ فقال: لأنه مرَّ على الأسماع قبلنا. فلو كان زللًا لما تأدى مستحسنًا إلينا”.

تأريخ الفلسفة: لا وجود لنساء فلاسفة لكن توجد طبيبات

نلاحظُ عدم وجود نساء فلاسفة، لا في الوافد ولا في الموروث. لكنه أورد من الأطباء بعض الطبيبات من النساء من أولاد أبقراط، الطبيبة: “مالانا أريسا”، ابنة أبقراط. وكانت أبرع من ابنه”، وبعضهن تخصصن في طب النساء، مثل: “قلاوبطرا: امرأة طبيبة، “وجالينوس أخذ عنها أدويةً كثيرة وعلاجاتٍ شتى خاصةً في أمور النساء”.

تأريخ الفلسفة: ذكر الفلاسفة فرادى ووفق فترات زمنية معينة

أرّخ السجستاني للفلاسفة فرادى كما أرخ لهم وفقًا لفكرة “العصور الزمنية”، فيقول، مثلًا: “ومن وفاة جالينوس، وإلى سنة تسعين ومائتين للهجرة (290 ه)”. “ومن كان في هذه الفترة من الفلاسفة: زينون الكبير، زينون الصغير، أقراطس المنطقي، رامون المستوفي، أغلوقن النصيبيني، وسقراط، وذيمقراط، وأرسطو طاليس وثاوفرسطس ابن أخته، أوذيموس، فافانس، أخروسيس، ديوجانس الكلبي، فيلاطس، فيماطرس، أسقلبيوس أرسيس الرومي معلم جالينوس، أغلوقن المحبُ لجلينوس، الإسكندر الملك، الإسكندر الأفروديسي، طاسلوس الإسكندراني، مولموس الإسكندراني، فرفوريوس الساوري، أبرقلس الأفلاطوني، اسطفانس المصري، سحس، رامس”.

يقول أيضًا: “ومن الفلاسفة المذكورين: ثامسطيوس، فرفريوس الصوري، يحيى النحوي، ذاريوس، أنقلاوس، أومينوس، فولوس، أفروطرخس، أدولس، ماغارا العين زربي، ساروس الأثيني، أدني الطرسوسي”.

وبالطبع تتداخل الفترات الزمنية ولا توجد فواصل زمنية دقيقة. فالتأريخ للفلاسفة في بدايته، وفق السجستاني، في هذا الباب، ريادته.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة” [6] السجستاني مؤرخ الفلسفة: تأريخ عالمي للفلسفة: اليونانية والإسكندرية والصابئية والمسيحية والإسلامية: منظور أبي سليمان للتأريخ الفلسفي: منظومة حضارية واحدة.

مقالات ذات صلة:

 الجزء السادس والستون من المقال

الجزء السابع والستون من المقال

الجزء الثامن والستون من المقال

الجزء التاسع والستون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

 

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج