مقالات

الصف الأول

يختلف تصرّف الناس تجاه المواقف والأحداث إلى عدّة أصناف فمنهم المسارع في الخير السبّاق، ومنهم البطيء الكسول في اتخاذ القرار، ومنهم الذي يراقب من بعيد ثم يتدخل، ومنهم الصامت المتجاهل كالمثل العامي المصري: “عامل نفسه من بنها”.

الأحداث في حياتنا ليست عبثًا تمر مرور الكرام بل تأتي فتمحّص وتكشف الأشخاص فيظهرون على حقيقتهم، فيخرج كل واحد ما يعن في نفسه ويستقر في قلبه فيُترجم إلى قول أو فعل بإيجابية أو سلبية.

وقد مدحت الخنساء أخاها صخرًا بأنه كان يسارع دائمًا في الخير ويعتمد قومه عليه في الأمور التي تصعب عليهم على الرغم من صغر سنه فتقول:

إذا القوم مدّوا بأيديهم         إلى المجد مد إليه يدا

فنال الذي فوق أيديهم        من المجد ثم مضى مُصعِدا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يُكلّفه القوم ما عالَهم           وإن كان أصغرهم مولدا

وأبو بكر الصدّيق –رضي الله عنه– الذي كان سبّاقًا في الخيرات، فكان من أوائل مَن أسلموا، فنجده يكفل الأيتام ويحرر العبيد ويرعى المرضى ويعدل بين الرعية ويسارع في تنفيذ وصايا نبي الإسلام.

المسارعة في الخيرات

إنّ المرء السوي هو الذي يسارع في فعل الواجبات دون انتظار دعوة رسمية، أو السكوت ليقتنص فرصة لكي يلوم الآخرين، لكنه يقفز إلى طرق الواجب دون انتظار لهدية أو الاستماع لكلمة شكر.

إنّ ابن تيمية الذي ملأ الأرض عِلمًا ونورًا كان يشحذ الهِمم للقتال، لإعلاء كلمة الله وصد الأعداء الغاشمين عن ديار الإسلام، فنراه يتقدم الجنود في الصف الأول، ضاربًا بذلك المثل والقدوة الحسنة لعالِم الدين العامل.

لا شك، الخير موجود في الناس، لكن مع اختلاط عوامل اجتماعية وبيئية وأفكار دخيلة تأخرت صفة النخوة والتسابق لإنقاذ ملهوف وتلبية نداء مستغيث تحت أي ذريعة يتذرّع بها الناس، فنحن بحاجة ماسة إلى عودة المنافسة الجادة والمروءة بغض الطرف عن العواقب، فنعالج المريض أولًا لإنقاذه ثم نستقبل اللوم وسماجة أخلاق الآخرين بعد ذلك، فالواجب أولًا ثم ليكن ما يكون.

كيف يكون التسابق الحق؟

سكن رجل في شارعنا حديثًا أعرفه جيدًا، حدثت مشكلة في الشارع فوجدته خرج مهرولًا ليتدخّل في الحل وفض النزاع، ثم بعد ذلك بدأ في التراخي عند سماع صوت عالٍ أو مشكلة تحدث، هنا وهنا فقط ما نتكلم عنه من تراجع التسابق إلا مَن رحم الله.

إنّ التنظير بالكلام والحِكم سهل يسير: “المفروض يحدث كذا، كان عليه أن يفعل كذا، لماذا لم يقل كذا؟! فقد كان الصواب أن يقول كذا”، هذا فضلًا عن إصدار الفتاوى في: الدين والاقتصاد والسياسة والاجتماع والطب والصحة والتعليم، إن الصمت خير كله لا يشعر به إلا مَن مارسَه.

فالتسابق الحق يكون في الصفوف الأولى أولًا مثل الصلاة وأداء الواجبات المجتمعية، وقد وُجد مصطلح “الصف الثاني”، والمقصود به القائد الثاني أو النائب وهو الذي يحل محل الصف الأول حال غيابه لأي طارئ.

قادة الصف الأول

ومن القادة في الصف الأول الذين برز اسمهم في العصر الحديث رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار، الذي كان معروفًا عنه نداءه المستمر بتحرير المسجد الأقصى والمقدسات الفلسطينية، وكان دائم التوعد لإسرائيل، مما زاد حنقهم عليه فجعلهم يضعونه في أول قائمة استهدافهم، لقد كبدهم خسائر فادحة في الأموال والأنفس والآليات، وبخاصة بعد إطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.

وفي مشهد يصعب تمثيله شاهده العالم أجمع بعد معركته الأخيرة منفردًا مع الاحتلال، وجدوا في جسمه إصابات كثيرة فضلًا عن رأسه التي تفجرت، وقد نفدت ذخيرته والقنابل اليدوية التي معه، فسارع وهو في الرمق الأخير للإيقاع بطائرة مسيرة تستكشف المكان لإسقاطها بعصا كانت في يده قبل أن يهدموا البيت عليه.

إنّ الشهادة لا ينالها إلا مَن طلبها بإخلاص وعمل في حياته من أجلها، فالأعمال بالخواتيم ومَن عاش على شيء مات عليه ومَن مات على شيء بُعث عليه، وقد نقلت جميع الوسائل العالمية المقروءة والمسموعة هذا الخبر الفريد.

مقالات ذات صلة:

التنافس في الخير من أجل الأوطان

أزمة العدالة والخير و الشر

صاحب “العصا”

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر