مقالات

اللغة العربية في الصين .. الجزء الثاني

مع الاستقرار وتحسُّن اقتصاد القوميات العَشْر التي تعتنق الإسلام، ظهر التعليم بالمسجد في الصين في أواخر عهد أسرة مينغ الملكية، وقد دعا إليه العالم الإسلامي المشهور في الصين خو دينغتشو (1522- 1592) الذي ينحدر من وينان في مقاطعة شانشي، فلما عاد من الحج، عمل جاهدًا على إنشاء التعليم الإسلامي لإعداد الأئمة، وأشرف على قبول الطلبة في المسجد وتعليم القرآن الكريم، وكان المسلمون ينفقون على المسجد الذي في حيهم بالجهود الذاتية، ويقيمون مراسم واحتفالات للتخرج كلما أنهت دفعة من الطلبة دراستها، وشهد هذا التعليم تطورًّا ملحوظًا تدريجيًّا.

نظام التعليم المسجدي في الصين

بدأ نظام التعليم يتسع بدخول مواد جديدة، مثل: علم التوحيد، وعلم الفقه، والمبادئ الأخلاقية والتربوية، واللغة العربية وآدابها، إلى جانب القرآن الكريم والحديث النبوي، وما يختص بهما من التفاسير، وانتشرت طريقة التعليم من مقاطعة شانشي إلى كل المناطق المأهولة بالسكان المسلمين، واستفاد التعليم المسجدي الصيني من الوسائل والخبرات العربية، بينما شكل الخصائص الصينية، أي نشأت المدارس داخل المساجد على حساب المسلمين المحليين، ونشأ قسمان للتعليم: قسم المدرسة الابتدائية وقسم المعاهد، فالأطفال يدرسون في المدرسة الابتدائية اللغة العربية الأساسية حتى يستطيعوا قراءة القرآن الكريم، أما في المعاهد فتكون الدراسة مادتيْن عادة، أي مادة اللغة العربية واللغة الفارسية، فالهدف الأساسي هو تدريس الكتب المقدسة بالعربية أو الفارسية (جينغ رونغ، د.ت،5).

بداية تعليم اللغة العربية في الصين

خرَّج التعليم المسجدي الآلاف من الأئمة، وربَّى الكثير من مشاهير علماء الإسلام، مثل: وانغ داي يوي (1570- 1660)، وما تشو (1640- 1711)، ولي تشي (1660- 1730)، إلخ. وكانوا يكتبون الكتب الإسلامية بالصينية، بينما يترجمون الكتب المقدسة الإسلامية العربية والفارسية إلى الصينية، نتيجة لظهور كثير من الكتب الإسلامية، مما أدَّى إلى تطور اللغة والدين جنبًا إلى جنب في الصين.

من الخدمات والتسهيلات التي قدمها التجار: نشر العلم وتأسيس الكتاتيب في القرى والمدن، وإقامة المساجد المنتشرة في المناطق ذات الأقليات المسلمة، ولا تزال المساجد التي أسسوها شاهدةً على ذلك، وشجعوا طلب العلم وتعليم اللغة العربية في تلك المساجد، فكان المسجد عبارة عن جامعة شاملة لكل العلوم النافعة الدينية والدنيوية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً: بر الوالدين في الفكر الصيني

كيف ساهمت اللغة في نشر المعرفة؟

8587951664121487667128963522 - اللغة العربية في الصين .. الجزء الثاني

اللغة بصفة عامة لها أهمية كبيرة، سواء كانت مسموعة أو مكتوبة، فهي أداة يستطيع الإنسان بواسطتها أن يتفاهم مع غيره من أفراد المجتمع في المواقف الحياتية المختلفة، وعن طريقها يستطيع نقل أفكاره وأحاسيسه وحاجاته إلى غيره ممن يتعامل معهم، ويستطيع أن يعرف أفكار وأحاسيس وحاجات الناس، فهي وسيلة مهمَّة في مجال الفهم والإفهام اللذيْن يمثلان العلاقة بين الفرد والمجتمع.

تعدُّ اللغة للأمتيْن العربية والصينية نوافذ وروافد مضيئة للاطلاع على التجارب والخبرات المختلفة لحفظ التراث الأدبي والديني والعلمي، وأداة أساسية من أدوات التفكير، إذ إن الإنسان يفكر باللغة، ويتمثل ذلك في نتاج التفكير، والذي يكون على صورة تراكيب ملفوظة أو مكتوبة، ومن دونها يكون عسيرًا على المرء أن يعبِّر عن الأفكار أو عمَّا يشاهده أو يشعر به، ويعسر عليه حتى التعبير عن لوازمه وحاجاته اليومية.

التعليم الإسلامي في الصين

نتيجةً لتأثير الحركة الثقافية بعد ثورة 1911م في الصين، شرع المسلمون الصينيون في إنشاء المدارس الإسلامية، والتي تدرِّس اللغتيْن الصينية والعربية بجانب المواد الثقافية الصينية والعربية، وقد تخرَّج في هذه المدارس العريقة معظم العلماء المسلمين الكبار، أمثال: الأستاذ محمد ماكين، والأستاذ عبد الرحمن نان تشونغ، وغيرهما الذين مثَّلوا الدفعة الأولى من الطلبة الصينيين الموفدين إلى الدراسة في جامعة الأزهر بمصر، فالأزهر الجامع والجامعة فتح أبوابه لطلبة العلم الصينيين وغيرهم من شتى بقاع الأرض، بل وأرسل الأساتذة والعلماء لنشر اللغة العربية والدين الوسطي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

اللغة العربية بوابة التراث

مشايخنا وحُجة الصوت المرتفع!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة