مقالاتقضايا شبابية - مقالات

الصبر مواجهة – الجزء الأول

الصبر من المفاهيم القليلة التي تعتبر من أوضح المفاهيم عند أغلب البشر، لكن وللأسف قد تعرض مفهوم الصبر كغيره من المفاهيم للكثير من التحريف، فنجد له فهم شائع بين غالبية الناس بأنه تحمل الألم والمشقة فقط دون تدخل من الإنسان لإحداث تغيير، حيث نجد البعض عندما يتعرض لمشكلة معينة سواء في تربية الأبناء مثلا نجده يستسلم لعدم قبول الأبناء النصح والإرشاد ويعلل ذلك الاستسلام بالصبر.

وقد أدى هذا التعريف غير المكتمل لإمكانية أن يوجهه البعض إلى معان مختلفة قد تساعد على الركون والاستسلام وليس الصبر الحقيقي.

فعلى سبيل المثال عندما تطلب من الفرد الصبر على حالة التخلف والاستسلام للأفكار الغربية والشاذة والتأثير السلبي على السلوكيات والمعاملات المنتشرة بين الناس، من سوء الخلق الذي أصبح ظاهرًا جدا في المجتمع أو تغير العلاقات التي كانت تسود الأسرة من الاحترام والمودة، نكون بذلك أخرجنا مفهوم الصبر من غايته الحقيقية.

كذلك عندما يتحول مفهوم الصبر لعدم الاهتمام بما يدور حولنا من أحداث ومواقف تؤثر في مسار حياتنا، بحيث يكون الإنسان لا يبالي بما يحدث حوله، ويعيش حالة من الرضا معتقدًا أن هذا هو الصبر، نكون أيضا أخرجنا الصبر من مفهومه الحقيقي وغايته، فعدم إصلاح التفكك الأسري على سبيل المثال والرضا بالسلبيات الموجودة فيها ليس صبرا، كذلك الرضا بالعلاقة الزوجية غير المحددة للمهام والواضح فيها دور كلا من الزوجين وما ينتج عن ذلك من مشكلات ليس صبرا إيجابيا.

ويمكن لنا أن نحدد في البداية محورين مختلفين يوضحان لنا مفهوم الصبر بالشكل الإيجابي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الصبر بالمعنى الحقيقي

فالصبر بالمعنى الحقيقي هو المرشد والدليل الذي يستخدمه الإنسان ليكون درعه الواقي والواقعي للتغلب على العقبات والموانع التي يقابلها في حياته بحيث يستطيع أن يواجه مشكلاته ويتجاوزها فيكون الصبر وقتها مفتاح الحل والسعادة، فالصبر مواجهة وليس استسلام وخنوع، فالعمل على حل المشكلات بين الأبناء بالتدخل في الوقت المناسب وبطريقة ملائمة للوقف على أسباب المشكلة وبداية تفكيكها للوصول للحل، أو تحسين العلاقات الزوجية باعتراف كل طرف بالمشكلات التي يعاني منها وطلب العون من شريك الحياة في إطار من التفاهم يُعد نموذجا للصبر بالمعني الإيجابي، كذلك الصبر على تحسين المستوى الشخصي لكلا منا في مسار حياته وإصلاح العيوب الفردية سواء الأخلاقية أو الفكرية هو كذلك صبرا إيجابياً يجب علينا تعلمه وممارسته.

المحور الأول “الإدراك الواعي”

إنطلاقا من هذا التوصيف يمكن لنا تحديد المحور الأول في تلك المواجهة الإيجابية ( بإفشال مسببات الخضوع والاستسلام ) وذلك من خلال الإدراك الواعي.

كل ما يعيق الحياة الإيجابية والتي تتمثل في قدرتنا على ممارسة أدوارنا سواء التربوية أو الدراسة أو الزوجية والوظيفية بشكل يجعلنا نضع أيدينا على مواطن الخلل ونسعى قدر المستطاع للإصلاح، يمكن أن نعتبره نموذجا لحياة غير إيجابية قائمة على مجموعة من الأهداف التي تدفع الإنسان للاستسلام لما هو في غير مصلحته الحقيقية.

والقاعدة الأساسية في تلك الأهداف تكون بغياب الوعي ومن بعض نواتجها عدم ثقة الإنسان بنفسه وبقدرته على حل بعض من مشكلاته قدر استطاعته من خلال التفكير المنظم الذي يحدد أصل مشكلاته والإمكانيات التي يمتلكها والتي تسهم في حل تلك المشكلات.

وبناء على ما سبق فإن تعطيل ذلك الهدف الكبير والكلي في تقبل الإنسان حياة بلا وعي والعمل على حل المشكلات بالمعرفة الواقعية، يعد مرادفا للصبر الإيجابي.

مثال: الاحتلال الغربي وكيفية المواجهة بمعنى الصبر الحقيقي

ولتوضيح تلك الفكرة نضرب مثلا بالاحتلال الغربي للكثير من البلدان في العالم ؛ حيث ينطوي هذا العدوان والظلم على مجموعة من الأهداف الأساسية الكبرى منها السياسي والثقافي والاقتصادي، فما بين السيطرة على موارد البلد المحتل وتغيير هُويته الثقافية والاجتماعية حيث يحدث تغيير في نمط العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع سواء بين الأبناء والآباء أو بين باقي مكونات المجتمع ككل، كذلك تغييب لدور الأسرة وبث روح اليأس والإحباط.

نجد المحتل يمارس عدوانه على كل تلك المكونات، فهي وغيرها تخدم هدفه الأساسي والمحوري في إحكام السيطرة الكاملة على البلد المحتل

هذا الهدف الأساسي ينطوي على مجموعة من الأهداف الأخرى من تقبل فكرة عدم القدرة على المواجهة نتيجة ضعفنا من جهة وقوة المحتل الكبيرة من جهة أخرى والتي تتمثل في تثبيت الوضع القائم الذي أقامه المحتل .

فمن خلال الممارسات التي يحدثها في بنية المجتمع، يسعى إلي إعطاء نفسه شرعية مقبولة لوجوده غير الطبيعي كمحتل، كأن يزعم تقديم مساعدات لتقدم المجتمع وتطويره ووضعه في مصاف الدول المتحضرة، أو المساعدة على حفظ ثرواته وتنظيم شؤونه .

صبر المواجهة

إن ضرب فكرة الحفاظ على الهُوية والخصوصية الحضارية لكل مجتمع وصبغ المجتمعات بصبغة وثقافة المحتل، يجعل هذا البلد فيما بعد سوقا لتسويق منتجات المحتل الفكرية والثقافية وكذلك الاقتصادية، وهذا يعتبر من المقدمات الأولى لتغيير نمط القيم داخل المجتمعات من العزة إلى الذل وقبول ثقافة الآخر والتقليل من ثقافة المجتمع الأصلية، وما ينتج عن ذلك من تبدل من الحياة الكريمة المستقلة لحياة شبيهة بحياة العبودية، لذلك نجد أن الصبر على تلك الحالة والاستسلام لها هو قمة التحريف لمفهوم الصبر الحقيقي كذلك مقدمة لظلم الإنسان نفسه .

هنا نجد أن المعنى الحقيقي للصبر يتمثل في إفشال مسببات الخضوع والاستسلام وذلك يبدأ بالوعي بتلك الأهداف وعدم الرضوخ لها، بسلب العدو قدرته على إحداث هذا التغيير من خلال ثبيت وضعه أو إعطاء نفسه نوع من الشرعية لوجوده .
فالتأكيد المستمر على رفض العدوان والدعوة المستمرة للدفاع عن الهوية والخصوصية المجتمعية هو نوع من أنواع صبر المواجهة والذي يعبر عن المضمون الحقيقي لمفهوم الصبر.

المحور الثاني “أهداف الإنسان الصابر”

أما المحور الثاني المعبر عن الصبر بالشكل الإيجابي فيتمثل في أهداف الإنسان الصابر نفسه وذلك على مستوى الحلول لما تم إدراكه من مسببات الخضوع حيث نري أن قدرة الفرد على سلب المحتل قدرته على إحداث ما يرغب به من مخططات من خلال المواجهة التي تستطيع القيام بها وإبراز حق المجتمع في رفض الاحتلال والدفاع عن الأرض والهُوية ،هو بذلك قد استطاع أن يقاوم أهداف المحتل بمجموعة من الأهداف المقابلة والتي تتمثل على سبيل المثال لا الحصر في عدم التعاون معه أو تقديم خدمات تفيده وتوعية الناس بخطر الاحتلال .

هذا في حد ذاته انتصار على المحتل يبرز المعنى الحقيقي للصبر الإيجابي.

هنا قد يرى البعض أن هذا الطرح لمفهوم صبر المواجهة غير واقعي معللا ذلك بعدم تحقق نتائج وأهداف الإنسان الصابر بالمفهوم الإيجابي بينما في المقابل قد يحقق المحتل بعض من أهدافه أو كل أهدافه.

وللرد على هذا الإشكال نستعرض في المقال القادم باقي بحثنا عن مفهوم صبر المواجهة.

اقرأ أيضاً:

المشكلات الأسرية.. الأسباب والحلول

أنواع الحروب وعقلية المستعمر

تسوس الأسنان.. وتسوس العقل