الذكاء الاصطناعي والمنتج الفني والفن
الفن يحمل مشاعر خاصة بالفنان وأحاسيسه وخبرته، هل يتوفر هذا في منتج الذكاء الاصطناعي من خصوصية حتى في أسلوب الفنان وفكره واتجاهه؟! سؤال مطروح.
حتى لا تختلط الأمور هناك صلة بين الفن والعلم، ما هذه الحدود؟ وما الفرق بين العمل الفني الإنساني والمنتج الفني؟ وما الفرق بين صانع الفن ومنتج الفن والفنان والمبدع؟ وما مجالات الذكاء الاصطناعي منذ بداياته في الستينيات وما فلسفته وفكره ودوره؟ هل هناك فرق بين استخدام نتاج التكنولوجيا في الفن وأن تنتج التكنولوجيا منتجًا فنيًا بأوامر البرامج؟
الإجابة عن هذا يمكن أن توضح ما الفن وما الذكاء الاصطناعي ودوره في الحياة نتاجًا علميًا للعقل البشري.
المشهد الفني المعاصر لإشكالية الفن والذكاء الاصطناعي
يثار الجدل بخصوص تداخل المفهوم بين الفن والمنتج الفني ودور برامج الذكاء الاصطناعي وسيطًا تكنولوجيًا وجد دوره في المجالات التطبيقية. من هنا تكون الإشكالية في الاستفادة من نتاج العلم وبخاصة علوم البرمجة والذكاء الاصطناعي في شتى مجالات الحياة.
في الحقيقة إن توظيف ذلك لم يكن حديثًا بل الطرح له هذه الأيام امتدادٌ لحالة الجائحة التي مر بها العالم، فكانت سببًا في وجود بدائل لتحقيق التواصل الإنساني ونقل الخبرات، الأمر الذي دعى استمرار التطرق إليه، ومن المسلَّم به أنه محدود المجالات التطبيقية والطبية والصناعية والعسكرية والإعلان من جرافيك وميديا.
استفاد الإنسان من هذه البرامج في إيجاد منتج عالي الجودة والإتقان والسرعة دون تدخل بشري وفق برامجه التي صنعها وصاغها الإنسان في إطار محدد العمل المطلوب والأداء. وهذا ما يرجع إلى فلسفة السيطرة للذكاء الاصطناعي في تحقيق أي عمليات للمنتج التطبيقي.
تتعدد البرامج وفقًا لهذا وما قُدم من عمليات ومعلومات في هذه المنظومة المنمذجة. إذًا هي نماذج لا تخرج عن إطارها فهي عملية تطبيقية وفق سياق هذه المنظومة ومداخلها. ولا يوجد للإنسان المستخدم لها أي تدخل في محتواها، والنتيجة تكون اختيار من متعدد وفقًا لفهم الإنسان وإدراكه لهذه العمليات ومعطياتها.
إنسانية الفن
الأمر يستدعي أن يعاد تفسير مفهوم الفن كونه نتاجًا إنسانيًا، والمنتج الفني نتاجًا للذكاء الاصطناعي. فالفن نتاج فريد إنساني يحمل رؤيته الخاصة وبصمته أو ما يسمى الإطار النوعي للفنان أو أسلوبه أو شخصيته أو روح الفنان وتجربته الجمالية الصادقة وتقنياته الخاصة ومفرداته الشكلية، التي لا يمكن أن تعاد أو تتكرر من الفنان نفسه. ويكون العمل الفني منتجًا فريدًا.
الذكاء الاصطناعي (AI)
“الذكاء الاصطناعي مجال علوم الكمبيوتر المخصص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة عادةً بالذكاء البشري، مثل التعلم والإبداع والتعرف على الصور. تجمع المؤسسات الحديثة كمياتٍ كبيرةً من البيانات من مصادر متنوعة، مثل أجهزة الاستشعار الذكية والمحتوى الذي ينشئه الإنسان وأدوات المراقبة وسجلات النظام.”
“يعرف الذكاء الاصطناعي أنه تقنية تحاكي الذكاء البشري على أداء المهام ويمكنه تحسين نفسه على نحو متكرر استنادًا إلى المعلومات التي يجمعها”.
المنتج الفني للذكاء الاصطناعي يفتقد إلى ما سبق كله إلا الجودة والدقة والتعدد، الذي يتوافق بمخرجاته مع محتوى البرنامج، والاختلاف ليس نتيجة فروق فنية إنما فروق في استيعاب محتوى البرنامج والعمليات المحددة. لهذا يكون الدور توظيف إمكانيات التكنولوجيا في تطبيقات لعمليات فنية عامة مخزنة وليس حالة خاصة إبداعية للفنان.
تمامًا مثلما تبني الفن الاعتدالي أو المنيمال أرت. وضع الفكرة للعمل وتكليف المهندسين والعمال المهرة لتنفيذها بدلًا عن الفنان، حتى لا يتفاعل الفنان عاطفيًا في أثناء التشكيل مع الخامة فيغير من التشكيل والتعبير. إذًا هو موقف تطبيقي يفتقد الحس الفني للفنان. وهنا ما يتحقق منتج فني تطبيقي أما الفن هو الشكل الأولي الذي وضعه الفنان.
موقف تعليم الفن من الذكاء الاصطناعي
حتي في مجال التعليم وعلى وجه التخصص في الفنون ينحصر دور الذكاء الاصطناعي في عملية الدمج بصفته وسيلة تعليمية معينة في طرح رؤية وصياغات محددة وليس منتجًا للفن، والجانب الآخر طرح منتج فني، ولهذا يستخدم في المجالات التطبيقية للفن مثل الإعلان والجرافيك والإنتاج المتعدد.
الكمبيوتر أو الحاسوب ببرامجه كلها وتطور إمكانياته وسعة عملياته عندما ظهر استخدامه لم يترك مجالًا إلا وكان له استخدام أو توظيف له في نطاق ما أمكن؛ في الصناعة والتجارة والتعليم ومجال الدعاية والإعلان، أخذ نصيبًا في إجراء التصميمات ووضع الحلول المتعددة والمتنوعة وفقًا للعمليات التي غُذي بها والبرامج المستخدمة والتطبيق.
هنا نفرق بين ما الكمبيوتر وما يمكن أن يقدمه وفي أي مجال وأي عمل. داخل مجال الكمبيوتر التصميم محترف من الدرجة الأولى، فلا تندهش! إنه العقل الغبي من دون الإنسان لا يعمل ولا يقدم إلا ما أُعطي له من الأوامر وما دُعِم به من برامج وعمليات من الإنسان. فمهما كان هذا التعدد والتنوع يرجع إلى مدى إدراكه لها وكيفية توظيفها. فهو غير منتج فنيًا وليس بفن وليس له رؤية الفنية.
لقد أتاحت التكنولوجيا للفنان تحقيق أفكاره من خامات وتقنيات وأدوات، ووفرت الوقت والجهد، فكان الاستخدام في مجال التصميم والجرافيك والطباعة والنسيج والمجالات التطبيقية التي تعتمد على تنفيذ التصميمات الثنائية والثلاثية الأبعاد.
إذًا الموقف محدد وواضح ما أبعاده وما استخداماته وفي أي عمل ولماذا، وإن هناك فرق بين مجالات تعتمد على التصميم بمفهوم الابتكار وليس الإبداع، والفرق بينهما كبير من حيث الحالة والأداء والإنتاج الذي يتصف بالتعدد والتفرد والأصالة والخصوصية.
وليس بجديد أنه بالفعل يدرس في كليات الفنون في أقسام محددة للاستعانة به في حدود إنتاج فني، والذكاء الاصطناعي وصل على أنه موضة واختراع حديث، وللأسف يستخدم حتى في الغسالة وفي الصناعة في أوروبا ودول الشرق المتقدمة وأمريكا. لكن يبدو أن وصول اختراع حديث يجعل بعضهم يعتقد بحداثته الزمنية والمكانية تحت مفهوم المعاصرة. من المهم الإشارة هنا إلى أنه لا مانع من الاستفادة به في إنتاج الفن وليس الفن نفسه، والفرق كبير بينهما، وكذلك الفرق بين التصميم والإبداع.
الفنون التفاعلية والافتراضية، فنون التصوير والميديا والرسوم المتحركة، علوم البرمجيات، فنون الطباعة والاستنساخ الثنائي والثلاثي الأبعاد، المنتج الفني، التواصل الاجتماعي والجماهيري، الإعلان والإعلام.
بدأت هذه الفنون في النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة التطور في توظيف نتائج العلم في الحياة والتطور في إدراك العلم للعمل الفني بالتفاعل مع الحواس كلها ولم تقتصر على الإدراك البصري فقط. فجأة أعمال متحركة حركة فعلية وتصدر أصواتًا وأضواء ويتفاعل معها المشاهد. واختلفت وظيفة الفن في التواصل المجتمعي والانتقال من صفة الفن للفن إلى المنتج الفني للمجتمع والحياة فكانت الجوانب التطبيقية والتعليمية والترفيهية والإعلانية والإعلامية، في أعمال واقعية وافتراضية ثنائية وثلاثية الأبعاد وظفت للغرض منها.
النتائج
نستنتج مما سبق: أن الفن له مقوماته ويعتمد على الحالة الإنسانية من مشاعر وأحاسيس وتفرد وتميز كل فنان عن الآخر.
الذكاء الاصطناعي له مجالاته التي تتوافق مع الهدف منه في إيجاد منتج عالي الجودة والإتقان وتوفير الوقت والجهد دون أي تدخل بشري، لهذا كان تواجده في مجالات محددة، ولا يتوافق هذا مع الفن وإن أمكن الاستفادة منه في المجالات التطبيقية والجرافيك والإعلان.
تعليم الفنون يمكن أن يكون مصدرًا أو سيلة للرؤية، لكن ليس لإنتاج الفن إذ إن التعليم هدفه تأكيد فردانية المتعلم وتميزه وتأكيد شخصيته وتكوينها.
مقالات ذات صلة:
الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي والغباء البشري
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا