من أسرار السعادة

مهمة شاقة يتكبدها إنسان هذا العصر بحثًا عن السعادة، والقاسم المشترك بين أغلبية البشر “البحث عن السعادة خارج ذواتهم”؛ فرحًا بمنصب أو جاه أو ولد أو سلطان أو حتى شهرة زائفة نسبها الناس إليه مجاملة أو سخرية أو اتقاء شره، وهنا تكمن المشكلة، وهي أن البحث عن السعادة خارج الذات هو “بحث عن الوهم الخادع”، فكلها قشور لن تقوى على مقاومة سطوة الأيام وتبدل الأحوال والظروف، فسبحان من له الدوام، “المال يفنى والمناصب تزول والصحة تغدر والشهرة تودع دون رجعة” ولم يبق من ذلك السراب كله سوى “حطام إنسان” كان يومًا ما ملء السمع والبصر، فغدا اليوم أثرًا بعد عين، وحتى الترحم عليه ربما لا يناله!
وتسألني: أين تكمن السعادة الحقيقية؟!
وأجيبك: إنها تلك التي “تستقر في أعماقنا”، تتوغل وتملأ النفس سكينة وهدوءًا وإحساسًا دائمًا بالأمن والأمان والرضا والقناعة واستقرارها. ذلك لن يتحقق إلا لمن استطاعوا أن يصلوا إليها بجدهم واجتهادهم وصبرهم ومثابرتهم.
وللسعادة الحقيقية مظاهر وعلامات منها يا صديقي على سبيل المثال لا الحصر:
الثقة بالله دائمًا والقناعة بأن ما يحدث لك قدر كله يستوجب الرضا، وهنا يتحقق إحساسك بالأمن والقوة والثقة بالنفس المستمدة من ثقتك بالله.
القناعة التامة بأنه لن ينفعك بشر ولن يضرك بشر، فمهما تكالب الكارهون لك وتحالفوا على إلحاق الضرر بك فلا تعبأ بهم، فما هم سوى أدوات بيد القدر لن ينفذوا إلا ما قدر لك سلفًا وفق مشيئة الله، التي سبقت مكرهم وكيدهم وغلهم وحقدهم الدفين.
ومن السعادة أن تكف عن المقارنة والإحساس الدائم بالنقص، وأنك تستحق أن تكون في منزلة أعلى استحقها غيرك، فتتحول إلى حاسد ناقم حاقد. ارض بما قسم لك، واجتهد فيما يمكنك فعله، فاجتهادك مفتاح سرورك وفق قدراتك.
ومن السعادة أن تعتزل الناس إن رأيت النفوس قد غلفت بالسواد، والحقائق قد طعنت بخنجر الغدر، والأكاذيب قد اعتلت قمة المشهد المأساوي الحزين.
ومن السعادة أن تبتسم وأنت ترى المنافق يتفنن في نفاقه، والمتملق يبالغ في تملقه، ومدعي الفضيلة يجاهر بتقواه، والكاذب يدعي أنه يملأ الأرض صدقًا! هنا دقق وتأمل وابتعد واشكر ربك على نعمة نقائك في زمن الزيف.
ومن السعادة أن تحب من يتمنى لك الخير من قلبه، وأن تتخذه عونًا وسندًا وملاذًا آمنًا تأوي إليه كلما استبدت بك الظروف وعصفت بك قسوة الأيام.
ومن السعادة أخيرًا يا صديقي أن ترضى وأن تتقبل ذاتك كما هي، دون تصنع ودون تجمل ودون تلون ودون تطبع، فتلك قمة الأمن النفسي إن أردت لنفسك السعادة في تلك الحياة التي غدت السعادة فيها حلمًا بعيدًا.
رزقني الله وإياكم سعادة القناعة والرضا، وسعادة الأمن والسكينة، وسعادة الفرار من اليأس إلى واحة الأمن واليقين.
مقالات ذات صلة:
البحث عن السعادة .. والعوالم الممكنة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا