الاستهلاك
الاستهلاك أمر طبيعي في مجتمع منتج يستهلك ما ينتجه، ولكنه يصبح أمرا غريبا في مجتمع غير منتج يستهلك ما ينتجه الآخرون، وهنا يسمى بالمجتمع الاستهلاكي، ومجتمعات العالم الثالث أصبحت مجتمعات غير منتجة بل استهلاكية بامتياز، وقد وصل بلادنا إلى هذه المرحلة نتيجة تأثير مؤثرات خارجية ساهمت في ذلك فضلا عن المؤثر الداخلي المتمثل في انسحاب الداخل من عملية الإنتاج والتصنيع تاركا الخارج ليملأ الفراغ الذي تركه، وبعدما أصبحت أسواق العالم الثالث مستعدة لاستقبال منتجات الخارج قامت الشركات الغربية بعمل الإعلانات التجارية التي يسيل لعاب المستهلك أمامها!
فمهمتهم الأساسية تربية النزعة الاستهلاكية في النفس الإنسانية المستهدفة في العالم الآخر،العالم غير المنتج! حتى أنهم استعانوا بنظريات سيجموند فرويد في التحليل النفسي، وممن استعانوا بهم إدوارد بارنيز -نجل شقيق فرويد ووالتر ليبمان الذي كان يكبره بسنتين فقط، والذي كان تأثيره على بارنيز يضاهي تأثير عمه فرويد عليه-في بدايات القرن العشرين لعمل الإعلانات التجارية، واستحداث أساليب التسويق الشاملة بطريقة تؤثر على عقل المستهلك وتجعله أثيرا لمنتجهم!
إنه فن صناعة المستهلك وحتى يربي فيه شهوة الاستهلاك على حساب ثقافة الإنتاج،
ولقد نجحوا في ذلك أيما نجاح، وقد استخدموا أيضا وسائل التواصل الاجتماعي ليسوقوا فيها منتجاتهم حتى أنه قد أجريت دراسة أن المتصفح للإنترنت يجد أمامه عشرات بل مئات الإعلانات التجارية، والغريب أن كل شخص يجد ما يهتم به من سلع استهلاكية، أو ما يود أن يبحث عنها، حتى من غير أن يبحث عنها!
وذلك يوميا على شبكات التواصل الاجتماعي، إن الإنسان المستهلك لا يكد يلتقط أنفاسه حتى يفاجأ بالجديد في عالم التكنولوجيا بكل أنواعها من أجهزة حاسوب جديدة وسيارات وماكينات إلى آخر ذلك، ويقع فريسة لعمليات الشراء التي لا تنتهي فكلما أنت اشتريت، استفادوا هم وكسبت الشركات متعددة الجنسيات والتي تتخطى ميزانيتها ميزانيات دول العالم مجتمعة، وأنت خسرت بموت ملكة الإبداع والإنتاج عندك عندما تغلبت شهوة الاستهلاك على ثقافة الإنتاج.
ولقد دخل هذا الأسلوب حتى في تصنيع وتسويق المنتجات الغذائية، فقد قام الدكتور ديفيد كسلر الرئيس السابق لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية بتوثيق الطريقة التي تقوم بها الشركات المصنعة للمواد الغذائية والوجبات السريعة بعناية في مزج الدهون والسكر والملح بنسب دقيقة تصل إلى درجة “الاستساغة في الأكل” وهذا يعني أنها تحرض أنظمة الدماغ التي تزيد من الرغبة في تناول مزيد من الطعام حتى بعد أن تتمتلئ معدتنا!
فقد وجدت منظمة الصحة العالمية أن هذه الأطعمة غنية بالطاقة وتحتوي بالفعل على نسبة عالية من الدهون والسكر والملح ولكنها منخفضة من الفيتامينات والمعادن والمغذيات الدقيقة الأخرى.
المشروبات أيضا نالها حظا مما ذكرت من تربية شهوة الاستهلاك على حساب ثقافة الحاجة! وانظر مثلا إلى المشروبات الغازية والتي تسوق لها شركات متعددة الجنسيات على سبيل المثال شركة بيبسي وكوكاكولا، وإعلاناتها التجارية التي تقتحم على المشاهد حياته سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو على شاشات التلفزة أثناء مشاهدة المباريات الدولية والمحلية…مئات الإعلانات عن هذه المشروبات الغازية منها ومشروبات الطاقة والمشروبات الروحية وما يضاف إليها من مواد صناعية بنسب دقيقة تحرض أنظمة الدماغ على الرغبة في تناول المزيد منها في أي وقت من أوقات اليوم!
للأسف هذه المأكولات والمشروبات المرتبطة بهذا النمط الاستهلاكي الخطير يسبب بدرجة كبيرة “البدانة”وهو عامل خطير ورئيسي لالتهاب العظام والمفاصل والاضطربات العضلية الهيكلية الأخرى، وأسباب هذه الزيادة في البدانة معروفة وهي أن الناس يأكلون مثل هذه الأطعمة ولا يمارسون الرياضة، والسبب الآخر ما يضاف لمثل هذه الأطعمة والمشروبات من مواد وبنسب دقيقة، الأمر الذي جعل المستهلك المستسلم لا يمكنه الاستغناء عنها حتى أصبحت أسلوب حياة، ودور الإعلانات التجارية الضخمة والجذابة في التسويق لها هي أنهم باختصار يفعلون أي شيء في هذه الإعلانات من أجل التسويق لأطعمتهم لدرجة أن إحدى سلاسل مطاعم الوجبات الهمبورجر للوجبات السريعة استخدمت على نحو شائع في إعلاناتها التلفزيونية فتاة ترتدي ملابس فاضحة كرمز جنسي وهي تغسل سيارة بطريقة إيحائية!
وفي الختام علينا أن نعرف جيدا في ظل هذا الجو الخانق من العولمة بمظاهرها الخداعة والتي تميت الإنسان ولا تحييهأن نعيش بالشكل الذي نريدهلا بالشكل الذي يريده الآخرون لنا.
اقرأ أيضا:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب