مقالات

السباحة في أعماق الذات

كثيرة هي المحن التي تعصف بنا بين حين وآخر، وتلك سنة الله في خلقه ولهذا خلق الله البشر، وفي هذه المنطقة الملبدة بالغيوم يقف الإنسان صابرًا حائرًا عاجزًا خائفًا يائسًا يخشى المجهول.

فالصابرون هم أولئك الذين منحهم الله القدرة على الصبر وأمدهم بعزيمة فولاذية تحطم اليأس والحزن، إذ يستمدون من المحن طاقة أمل ترسخ في وجدانهم القدرة على المواجهة والتحدي والثبات.

أما الحائرون فهم أولئك الذين يمتلكون قدرات المواجهة والتحدي، لكنها قدرات كامنة مستترة في أعماقهم، يبحثون عنها طويلًا وقت المواجهة، وتحيط بهم الحيرة التي تؤجل من اتخاذهم قرار المواجهة الحاسمة.

أما العاجزون فهم أولئك الذين استبد بهم العجز ورفعوا الرايات البيضاء سريعًا يبحثون عمن يساندهم ويمد لهم يد العون دون جهد أو اجتهاد منهم، إذ كبل العجز أيديهم وتوقفت عقولهم عن التفكير في مواجهة المحن والشدائد.

الخائفون هم أولئك الذين سلبت إرادتهم واستسلموا للخنوع وعشقوا الفرار واتخذوه وطنًا وملاذًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما اليائسون فهم من أيقنوا أن العالم قد انتهى عند حدود أزماتهم، واكتست عيونهم بوشاحات السواد وتبلدت لديهم مشاعر الإحساس بالذات والآخر، إذ ارتضوا بسجن أنفسهم داخل كهوف مظلمة أعلن اليأس سيطرته المطلقة عليها.

لهم جميعًا نقول:

إن السباحة في بحور الذات تستدعي أن تثقوا في الله ثقة مطلقة، وليكن يقينكم الثابت أن الابتلاء نعمة والمحن اختبار والفائزون هم أولئك القادرون على مواجهة التحدي.

ثقوا أن رحلة الحياة قصيرة بكل ملذاتها وشهواتها وأمنياتها ومطامعها ورغباتها، وهي رحلة إجبارية نستقل فيها جميعًا قطار الحياة السريعة وصولًا إلى محطات الموت الإجبارية كل حسب موعد نزوله ومكان وصوله.

ثقوا أن إنسانية الإنسان تكتمل بقوة الابتلاءات وتنوع المحن، إذ تصقل قدراته وتمنحه روحًا فولاذية، تمكنه من قهر كل مظاهر يأسه وخوفه وخنوعه.

ثقوا أن كل شيء بقدر، إذ لا نمتلك إرادة الفرار من أقدرانا المحتومة مهما حاولنا ذلك مرارًا وتكرارًا.

ثقوا أن الحياة معادلة مستقرة ثابتة، لا تستطيع البشرية بكل قواعدها ونظمها ومعادلاتها وعلومها أن تبدل مثقال ذرة من هذا الثبات القدري المحتوم، فلا تهرولوا وراء السراب كي لا تموتوا عطشًا غير مأسوف عليكم.

تلك معالم الرحلة في أعماق الذات فلنتعلم قواعد السباحة كي تنجو سفينتنا وتستقر على جودي آمالنا الكبيرة، التي نرجو الله أن يحققها لنا مهما كانت التحديات ومهما كانت التضحيات ومهما كانت الأزمات.

مقالات ذات صلة:

شبابنا والمحنة والبشر

سعيٌ ووعي

لا تتخيل أنك التعيس الوحيد

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب