المتاجرة

التجارة مشروع مربح تحتاج إلى صبر عميق وفهم ويقظة بذهن حاضر للسوق والمنتج فضلًا عن أن كلها خير وفوائد ومكاسب سواء كانت قليلة أو كثيرة.
والصدق من أهم أسس المعاملة والتجارة فتبيين السلعة بما فيها من مزايا وعيوب أمر جيد يشعر بالأمان والاطمئنان، ولهذا ما دخل غير المسلمين في الإسلام إلا من هذا الباب وهو الأمانة وصدق العرض ومن ثم اليقين الجازم أن الرزق بيد الله وحده.
والبائع والمشتري بالرضا والاختيار فإن كانا صادقين حلّت البركة البيع وبورك في السلعة، وإن كذبا وكتما العيوب والمثالب محقت البركة وكانت ناقصة.
والكذب يعني الغش وإعطاء معلومات غير حقيقية، يتمثّل ذلك في استبدال سلعة مكان أخرى –بعد الاتفاق– أو وضع جزء من البضاعة المعطوبة والتالفة في الأسفل والجيدة في الأعلى لظهورها بمظهر حسن لجذب انتباه الجمهور للشراء والكسب السريع، وقد يكون الكذب بكثرة الحلف والأيمان المغلّظة على أنها جيدة وصالحة وهي عكس ذلك، أو حتى على البضاعة الجيدة.
ومن صور الغش كذلك النفاق وأن يظهر الإنسان بخلاف ما يبطن، فهو يؤدي الصلوات والأمور الظاهرة لكنه يحارب المسلمين في دينهم وأرزاقهم وأعمالهم وحياتهم، إلخ.
وينسحب ذلك على تجّار الدين، الذين يجعلون الدين مطية لتحقيق مآربهم وأهدافهم فهم يتشبهون بجماعة المسلمين ويتكلمون بكلامهم وقد يدافعون عنهم لكن أحقادهم دفينة وأفكارهم مسمومة وعقادهم ملوثة.
تراهم يستفرغون جهدهم بشق الصف والإتيان بالغرائب والتمسّك بها لتكون لهم الكلمة ويذاع صيتهم بغض الطرف عن التشويش على العامة وخلخلة المعتقدات وضرب الثوابت.
وأمثال هؤلاء يحبون الظهور الإعلامي وتسليط الضوء عليهم وهذا كله مع الإغداق المالي الوفير الذي يحفزهم على البحث عن الغرائبيات والمتشابهات لتسفيه العلماء وتشويه التاريخ والتنقص من القدوة والأسوة.
والمتاجرة ظهرت بقوة في آلام أهل غزة بفلسطين وجراحهم، واستغلال أمريكا وإسرائيل لأوجاع الأهالي واحتياجاتهم. كان هذا واضحًا في بعض الجمعيات المفتعلة المشبوهة التي من المفترض أن توصل المساعدات والمعونات فتُحوَّل هذه الأماكن المحددة سلفًا للتوزيع إلى ساحة معركة فيُعمِلون القنص والاصطياد للأهالي فتحولت الأماكن إلى قنابل موقوتة وموت علني دون أدنى محاسبة أو رقيب.
ومن الصور البارزة في المتاجرة بالفقراء ما نراه على شاشات التليفزيون من تصوير الأهالي، وهم يأخذون “كرتونة” المساعدات وكسرهم أمام ذويهم وأصدقائهم والعالم، نعم توجد صدقة في العلن كما في السّر لكن بضوابط وليست في الأحوال كلها، وكما تقول القاعدة: “الحاجة تقدّر بقدرها”، فلكل مقام مقال، من المعلوم أنه توجد أمور عامة محمودة تحث الناس على المسارعة في الخير والتبرّع، لكن يجب الابتعاد عن آلام المحتاجين والمعوزين واحترام إنسانيتهم ونفسياتهم.
بالمنطق نفسه تظهر المتاجرة في مواسم الانتخابات أو “حصاد الأصوات” –التي نحن على أبوابها– فنرى المرشّح ينزل القرية –وقد تكون النزلة الأولى والأخيرة– فيجتمع بالأهالي بمعرفة بعض الوجهاء والمنتفعين فيرمي لهم مبلغًا من المال، إما لقطعة أرض تكون نواة لملعب أو تسفيل طريق أو تسقيف مبنى، أو على هيئة تبرع بمبلغ يتوزع على المحتاجين، وربما ذبح عجلًا أو عجلين، فيكون ذلك مشفوعًا بنصف كيلو لحم، أو دجاجة من الأوزان المتوسطة أو الخفيفة.
ويسبق ذلك كله الوعود بالأيمان المغلّظة وبالكتب السماوية الثلاثة، ليكوننّ من الأوفياء الذين يسهرون على خدمة الدائرة والدوائر المجاورة وأهاليها الطيبيين لما رآه –حضرته– من تقصير النواب قبله، وباختصار سيكون المخلّص ومبعوث العناية الإلهية التي ستنتشلهم من العوز والضياع.
وتظهر المتاجرة أيضًا في ثوبها العفن في الدروس الخصوصية التي تتمثل في ضغط بعض المدرسين على الطلاب ومن ثم أولياء أمورهم واستفراغ جيوبهم بسيف الحياء، أو المقاولة للمنهج، بكل بجاحة وعدم مراعاة أي مبادئ وأخلاق.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا