علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

النخوة في الجاهلية

العرب مثل غيرهم من الأمم لهم صفات حميدة وصفات مذمومة مكروهة، لكنهم تميزوا بصفات كريمة من الصعب تواجدها أو قبولها عند إنسان العصر الحديث، مثل الكرم الزائد والشجاعة المُفرطة وافتداء الصديق بالنفس والمال والأهل، وغير ذلك.

هذه الصفات تنبع من داخلهم وحرصهم على أرضهم والمحافظة على عِرضهم، وقد أحاطوا أنفسهم بسياج الكرامة والنخوة والنجدة والرجولة، وسنذكر هنا بعض النماذج التي ينبغي أن تُفرد لها مناهج خاصة لتكون أسوة ومثالًا ونبراسًا، وواقعًا مُعاشًا.

قصة وفاء السموأل لامرئ القيس

وما القصة المعروفة لامرئ القيس رأس الشعراء العرب، وصاحب أشهر مُعلّقة، وصديقه السّموأل منا ببعيد، فهي قصة الوفاء والموقف، وتبدأ عندما عجز امرؤ القيس عن الأخذ بثأر أبيه وتخلّى العرب عنه، فولّى وجهه نحو السموأل ليترك أهله ودروعه عنده أمانة وهو في طريقه للذهاب إلى قيصر الروم لطلب المدد والمساعدة.

ولمّا مات امرؤ القيس حاصروا السّموأل، وفي هذه الأثناء جاء ابنه من رحلة صيد فوقع في أيديهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعدها طلب الذين لهم ثأر عند امرئ القيس من السّموأل أن يعطيهم الأمانة، فرفض وقال:” لا أخفر ذمتي وأخون أمانتي”.

فما كان منهم إلا أنهم خيّروه للضغط عليه بين قتل ابنه أو الحصول على الأمانة، فأصرّ على عدم تسليم الأمانة لغير مُستحقيها فقتلوا ابنه، لهذا قالت العرب: “أوفى من السّموأل”، وهكذا يُخلّد الإنسان بموقف أو مبدأ أو كلمة أو شهادة حق لا يخاف من ورائها لومة لائم.

الفارس الشجاع عنترة بن شدّاد

عنترة بن شدّاد الفارس الشاعر، لم يُنسِبه أبوه به لأن أمّه كانت أمَة من الحبشة، والعرب وقتها لا يعترفون بأبنائهم من الإماء إلا أذا أثبتَ أنه يتعامل معاملة الأحرار.

اختلف عنترة مع أبيه فنزل عند بني عامر، فأغارت طيء على دِيار عبس قوم عنترة فاستنجدوا به وطلبوه للحرب، فأرسلوا له رسالة فهبّ كالأسد الهصور لنجدتهم، وهكذا هم الرجال بالأفعال لا بالكلام، وأنشأ قصيدته الرائعة التي يُجاهر فيها بمساندة أهله وفخره بهم، وقوته وبأسه، وصولاته وجولاته في ميدان القتال، وأنّ بيته من أعلى البيوت وأشرفها.

ولمّا كان عنترة فارسًا شجاعًا يُدافع عن قبيلته ببسالة اعترف به أبوه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قصة عمرو بن كلثوم

حرب جيش - النخوة في الجاهلية

وموقف عمرو بن كلثوم صاحب المُعلّقة البديعة، إذ اجتمع المُهلهل، وكلثوم، وأبو عمرو في بيت كلثوم على شراب في صباح يوم، وعمرو يومئذ غلام، وليلى أمّ عمرو تسقيهم فبدأت بأبيها المهلهل ثم زوجها كلثوم ثم ردّت الكأس على أبيها مرة أخرى وابنها عمرو عن يمينها لم تناوله، فغضب وقال:

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو   وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِينَا

وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو         بِصَاحِبِكِ الذِي لا تَصْبَحِينَا

يعاتبها بقوله: يا أمّ عمرو أنا أجلس على اليمين فلماذا صرفتِ الكأس عني ولم تعطِني شراب الصبوح؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فلطمه أبوه، ودارت الأيام وأصبح عمرو سيّد قومه.

وكان عمرو بن هند في مجلسه يومًا فقال لجلسائه: “هل تعلمون أنّ أحدًا من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي؟”، فقالوا:”لا، ما خلا عمرو بن كلثوم”.

فأرسلَ إليه يطلب منه زيارته، فذهب ومعه بعض الفرسان وأمه ليلى. وأوعز عمرو بن هند لأمه هند بعد الفراغ من الطعام أن تستخدم ليلى، يعني تطلب منها مناولتها الفاكهة مرة بعد الأخرى، ففعلت فقالت لليلى:” ناوليني ذلك الطبق”، قالت: “لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها”.

فألحّت هند عليها. فثارت ليلى وصاحتْ:”واذلّاه، يا لتغلب”، سمعها ابنها فانتفض، واستلّ السيف وضرب رأس عمرو بن هند، واستولى على ماله وخيله ونسائه ثم عاد، فسُرّتْ أمه به وقالت له:”بأبي أنت وأمي، أنت والله خيرُ الثلاثة اليوم”.

هكذا الإنسان السّوي يغار على أهله وعِرضه وماله ووطنه، فهو شخص يمتلك المروءة والنخوة، ولا يقبل الإهانة والذُّل وطأطأة الرأس.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

عن الواقع العربي أتحدث!

شيخ العرب همام ومشروع استقلال منسي

جاهلية المآتم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة