شهر رمضان .. صالة تدريب الروح
مراقبة ومحاسبة النفس سمة واجبة في رمضان
لا يعتاد أكثرنا للأسف مراقبة النفس والحذر من صدور أي فعل أو حتى مجرد التفكير في أمر سيئ أخلاقيًا، فيقدم لنا ذلك الشهر الكريم نوعًا فريدًا من التدريب على تلك الحالة التي لا بد أن يتحلى بها الإنسان دومًا، وإلا حركته انفعالاته من شهوة وغضب لأي أمر خاطئ، مما يُسقط من قيمة القوة العاقلة لديه المنوطة بالإدراك للصواب والتوجيه نحوه.
ولا تغيب عنا تلك الحالة الروحية التي تغمر الأفراد في تلك الأيام المباركة، والتي يدعمها ويغذيها مناخ روحي خاص في المجتمع يرفض أي تصرف غير لائق أثناء الصيام، ليعلو صوت السخرية لمن يخالف ذلك بسلوك غير أخلاقي: “في رمضان! في رمضان!” بصوت عمرو مصطفي. 😊
وهو ما يدفع الفرد إلى وجود حالة رقابة داخلية وخارجية، والأهم هنا في حديثنا هي الرقابة الداخلية، فيدفع ذلك المناخ الأخلاقي أفراد المجتمع إلى الامتناع عما كانوا يفعلونه في أيامهم العادية، والذي يستغله البعض في الإقلاع عن عادات سيئة خلال تلك الأجواء المساعدة جدًا على التغير.
العلاقة بين تقوية العضلات في صالات التدريب البدني وبين تقوية الروح في شهر رمضان
توجد علاقة عجيبة ومثيرة للدهشة بين شهر رمضان وصالة التدريب البدني، فكلاهما مكان يؤهل الإنسان ويرتقي بمستواه، إلا أن صالات التدريب ظاهر لنا أثرها على الجسم بإكساب الجسم قوة،
أما شهر رمضان فيكسب القوة للروح وهو ما يجب أن يُستغل، فالرياضيون الذين يحافظون على المستوى البدني المُكتسب من التدريب لا يهملونه أبدًا خارج الصالات في أنفسهم، سواء في الأكل أو أي أنشطة تضر بنتيجتهم المكتسبة من التدريب، وإلا فهم يعلمون أن فائدة ما جنوه في الصالات ستهدر لا محالة، ويتطلب الأمر منهم إعادة بذل المجهود مرة أخرى لاستعادة المستوى.
الروح في شهر رمضان
وهكذا هو الأمر في شهر رمضان تمامًا، فالمرء بعد ازدياد قوة ضبطه لنفسه وامتلاكه قدرًا من زمامها إن كان عاقلًا لا يرمي بتلك النتيجة في الأرض فيعاود ترك نفسه لهواها وميولها،
بل يتمسك بتلك القوة التي وصل إليها، والتي تمكنه من القدرة على التمهيد لامتلاك زمام نفسه في الكثير والكثير من الأمور، والإقلاع عن عادات عديدة كان يضعف أمامها في السابق.
فحتى لا تفقد ما تحصلت روحك عليه من قوة لا تدع رقابتك وضبطك لذاتك، وإلا فقد شهرك الكريم أثره الذي يحدثه في روحك طوال سنة من التخبطات والترك لمحاسبة نفسك وعدم القدرة على امتلاك زمامها وتوجيهها.
شهر رمضان إيقاظ للضمير، يدب بالحياة الإنسانية في روح الإنسان بعد طول انسحاق أمام الأهواء، ومكسب العقل قوة السيطرة على أهواء نفسه.
كل تشريع إلهي خير محض
ندرك على المستوى الكلي أن أي تشريع إلهي هو خير محض للإنسان مهما كان قاسيًا في ظاهره على البعض، وإن تأملنا أحد تشريعات الخالق والتي أمر بها أهل جميع الديانات السماوية وهو “الصيام”،
تلك الرياضة الروحية عجيبة الأثر لما لها من أثر يصقل ذلك الجوهر الإنساني ويوقظ بداخله حقيقته بعد موته، حين يقاوم ما يحب لمعرفته بأنه خطأ، ويتحمل ما يكره لمعرفته بأنه صحيح،
وهو ما يقوي حقيقته الإنسانية تلك ويزيد في قدرته على السمو على غرائزه الحيوانية التي في غير محلها، وامتلاكه نار الغضب التي نشأت بغير وجه حق، حيث إن انتهزت بشكل مثالي كانت ذات أثر محيي للأرواح من رقودها وموقظها لتغير كبير على المستوى السلوكي والعقلي.
شهر رمضان غادر، هل علمت أين السر؟
يمكنك أن تجعل روح شهر رمضان يقظة بداخلك، أن تحافظ على روحانياتك تلك إلى أن تقابلنا تلك الأيام مرة أخرى إن كان في العمر بقية، وحينها قد يكون رمضانك بطعم آخر،
بطعم خاص لم تذقه من قبل، فاذهب مثلًا لتشاهد من هو معتاد على التدريب البدني حينما يتدرب وذلك الذي يبدأ تدريبه لأول مرة،
هل رسمت بخيالك الفرق بينهم؟ فكذلك شهر رمضان، فالفائدة التي يمكن لمعتاد التدريب الحصول عليها أكبر بكثير جدًا ممن هو يبدأ لأول مرة.
ذلك المستوى الذي تمكنت من الوصول إليه في أيام شهر رمضان من ضبط النفس وتهذيبها بمثابة قوة مهددة بالضياع،
فلا بد أن تستكمل تدريبك وإلا ضاع مجهود تدريبك وضاع الأثر المراد تركه فيك، وهو يقظة ضميرك وامتلاكك زمام نفسك والتحكم في توجيهها والقدرة على مقاومة أهوائها بمراقبتك لها.
فائدة مهدرة أم محفوظة؟
أيعقل أن يقضي المرء في صالات التدريب فترة من الزمن فيصل فيها إلى مستوى بدني جيد ثم يترك التدريب ليعود إلى منطقة الصفر مرة أخرى؟! هكذا الأمر بالنسبة إلى مستوى قوتك الروحية التي جنيتها خلال شهر رمضان، فلا تهدرها!
ولا بد أن نعي أن أقوى الناس من قَوِيَ على نفسه، وأن من مميزات امتلاك المرء لزمام نفسه هو قلة زلاته ووقوعه في الأخطاء والخسائر، وأي عاقل لا بد أن لا يضيع من بين يديه كل تلك المميزات،
حتى أن الفلاسفة ينعتون مالك زمام نفسه بلقب الحر، ويسقطونه عن أي مرء لا يملك القدرة على التحكم في نفسه أو مراقبتها، فيقولون هو عبد لما امتلكه وما سيطر عليه، فكن حرًا!
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا