ما هو الوطن ؟
سؤال يتبادر إلى أذهاننا ما الوطن ؟
هل هو حقيقة أم وهم نشأنا عليه من صنع أهل السياسة والمصالح؟
تلك الأسئلة تتبادر في أذهاننا دائما، لذلك علينا أن نعيد رؤيتنا لتعريف الوطن، وما هي الوطنية؟
وخصوصا بعد أن تعرضت المجتمعات لكثير من الانفتاح والتقدم التكنولوجي فأصبح العالم وكأنه دويلة واحدة، بل وأصبح الوطن كمفهوم يختزل لدى البعض ببعض المظاهر الرسمية من تحية العلم أو تشجيع لفريقنا الكروي… إلخ، وتعرضت أوطاننا لنكبات فتَولَّد لدى بعضنا الكفر بها.
لذلك إذا نظرنا لفكرة الوطن والانتماء والحب له، كان لزاما علينا أن ندرك أولا طبيعة الحب والتعلق، ومن ثم الانتقال لمفهوم الوطن وهل هناك ما يسمى بحب الوطن أو الوطنية؟
فهناك من البشر من يحب ويتعلق بالأشياء بناءً على إداركه لها بحواسه مثل حب الحلوى نظرا لحلاوة طعمها وجمال مظهرها الخارجي، وهناك من يتعلق بنوع من الطعام لجودته واحتوائه على عناصر غذائية هامة مفيدة للجسم لإيمانه بأهمية تلك العناصر، وهناك من تحركه الغريزة فيطلب الحلوى لسد جوعه ولاحتياج جسده للسعرات الحرارية اللازمة، كذلك الوطن؛ فهو ليس مجرد تراب أو هواء أو ماء أو جلسة أو عادة معينة أو مظاهر حياتية، فلو كان التعلق بالمظاهر الحسية فقط، والتغني بها فهو تعلق ظاهري لا يصمد في مقابل التفكير الناقد لنا، فلو كان الوطن ترابًا فلماذا أتعلق بتلك الحفنة ولا أتعلق بغيرها؟ بل إن هناك من الأماكن ما هو أجود ماءً أو هواءً أو ترابًا مما ألفناه؟
كما لا يحق لنا أن نحكم بالجزم بأن أفضل البلاد هي بلادي وخير الأوطان هو وطني لما حُبي به من جمال الطبيعة أو وفرة الموارد واعتدال جوه… إلخ، بل إنه أحد دروب التعصب لما نشأنا عليه من بعض مظاهر الجاهلية، وهو أمر تديرة الغريزة والانتماء للجماعة.
فحب الوطن ليس مجرد حب ظاهري أو فلكلوري فقط، بل هو أكثر عمقا؛ فالوطن يجسد ما هو أعمق فهو يجسد مجموعة من المبادئ الفطرية والتي يجزم العقل بها، والتي تجسد روح الإنسانية من مبادئ الإخلاص لمن أحسن علينا فجزاء الإحسان هو الإحسان، فبطبيعة الإنسان عند نشأته في منطقة ما وترعرعه بها ولما شهده من أيادي الخير من العطاء والحب وخصوصا من الأهل والمقربين فينشأ الود والحب لما لهم من فضل عليه ويشعر بالامتنان ومحاولة رد ذلك بالإحسان بمثله، وحسن التعامل وعدم إساءة التصرف.
فبالعدل وهو إعطاء كل ذي حقا حقه وهو أمر تقبله النفس الإنسانية وتطلبه دوما وهو العدل، وكما كان هناك بعض الحقوق فلا بد أن ينشأ في مقابلها مجموعة من الالتزامات فمن العدل إعطاء لنفسي وجسدي حقوقهما وللآخرين من بني البشر حقهم، والتعامل حتى مع الموارد والطبيعة بإعطائها حقها وذلك بالمحافظة عليها وحسن إدارتها، لذلك كان حب الوطن هو عين التعقل والسلامة النفسية لأن الأصل هو الانتماء لمبادئ العدل والإحسان وغيرها وهذا جوهر الانتماء، فيتفرع من هذا المبدأ الكثير كحب الوطن وشكر المنعم… إلخ، أما التعلق بالوطن ومعالم طرقاته… إلخ، فهو يكون خاضعًا لـ” كل ما هو من أثر الحبيبِ حبيبٌ” فنحب الحي والمدرسة والحدائق والماء والتراب… إلخ، ويتغنى بها الإنسان العاقل لأنه من أثر الأحباء، فلا تعارض بين الحب المبني على العقل أو التعلق ببعض المظاهر الذي في أصله يعود إلى المبدأ، ولكن عندما ينشأ الحب الظاهري دون وعي وعقل كافٍ يكون عرضة للتشوه والانقلاب إلى سخط ونقمة وسب وقذف “أخدنا إيه من البلد دي” فسواء تعرضت أوطاننا لنكبات وسوء إدارة فيكون وعينا موجها للسخط تجاه سوء استغلال الوطن والدفاع عنه وإصلاحه لا الانقلاب عليه والكفر به وذلك لأن منطلق حبنا هو من العقل، فنفرق بين المبدأ وبين مدعي المبدأ فليس من العقل مثلا أن نكره السكين لسوء استغلالها ولا العدل لكثرة مدعيه ولا الوطن لكثرة المتشدقين به.
كما لا يكون -الانتماء العاقل- مبنيًا على التعصب المطلق بل يكون خاضعًا للمراجعة إذا خالف أبناء الوطن تلك القيم، فيكون انتماءً عاقلًا واعيًا خاضعا للمبدأ والأصل وهو العدل لا للمظاهر الحسية، فالحب المتعلق بالمبدأ أو المطلق أكثر صدقا وصمودا وخصوصا إذا تعلق الحب ليس بمحض رد الإحسان بالإحسان بل بما هو أسمى وهو مصدر الخير والكمال، وقتها سيكون الحب أكثر وفاء وأكمل وكانت التضحية تزيد المرء رقيا وكمالاً.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.