فن وأدب - مقالاتمقالات

رواية الحمار الذهبي

بداية الخيال الكوميدي في الأدب

“الحمار الذهبي” هي الرواية الكوميدية القديمة التي أبدعها الأمازيغي لوكيوس أبوليوس.

اعتبرت أقدم رواية في التاريخ، وبتعبير أدق أول رواية تصل إلى الناس كاملة، صحيح أنها سبقتها رواية أخرى لكنها لم تظهر كاملة.

كُتبت “الحمار الذهبي” في القرن الثاني للميلاد ومن هنا اكتسبت الأقدمية على كل الأعمال الأدبية المعروفة، وهي تثبت بقدمها خطأ القول إن “دون كيشوت” التي ظهرت عام (1604م) أول رواية في التاريخ، أو إن بداية الرواية كانت في القرن الثامن عشر مع انطلاق الأدب الروائي الإنجليزي، وقد ترجمت الرواية كثيرًا بواسطة عدة مترجمين وطبعت عدة مرات بواسطة دور نشر مختلفة في أكثر من بلد، ولا يتسع المقام لذكر تفاصيل كل ذلك.

من هو صاحب رواية الحمار الذهبي؟

لكن يجدر ذكر الاختلاف التاريخي حول جنسية الكاتب، هل هو عربي أم أمازيغي أم لاتيني؟ اختلف المؤرخون حول ذلك لكنه يصف نفسه بأنه نصف موريتاني ونصف نوميدي أو جزائري.

في إحدى رحلاته إلى مصر توقف الكاتب في ليبيا حيث أعجبت به سيدة فتزوجها وورث ثروتها الطائلة، فنازعه أهلها في المحكمة بحجة تغريره بها، لكنه نال البراءة من هذه التهمة فاستقرت الثروة عنده.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

راح يتجول في البلاد، وذهب إلى أثينا، وهناك كان يفتخر بأنه أتقن كل فنون اليونان من فلسفة وشعر وقصة، هذا عن الكاتب لوكيوس أبوليوس.

أما عن الرواية فهي نوميدية وفق التسمية القديمة، وجزائرية وفق التسمية الحديثة، وتتكون من أحد عشر فصلًا تدور حول شاب من إفريقيا الشمالية مولع بالسحر، ويتمنى أن يسحر يومًا ما فيصبح طيرًا، وسوف تمر الأيام ويتحقق أمله في أن يسحر، لكن لسوء حظه ونتيجة لخطأ غير مقصود يتحول إلى حمار لا إلى طير!

قبل أن نتعمق في هذه القصة الكوميدية، يجدر أن نذكر أن بالرواية سبع عشرة قصة أخرى ليست شديدة الارتباط بهذه القصة الأساسية.

نبذة عن رواية الحمار الذهبي

رواية الحمار الذهبي

نعود للقصة الأساسية، حيث الشاب الإفريقي لوكيوس يتعرض إلى مشاكل عائلية فيترك البيت والمدينة التي ولد فيها ويسافر في البلاد، وقد كان مع مجموعةٍ من المسافرين فسمع أحاديثهم عن امرأة ساحرةٍ شهيرة في المدينة التي كانوا في طريقهم إليها، فيشتد فضوله.

يقرر النزول ضيفًا عند صديقة لعائلته على أمل مقابلة تلك الساحرة، لكنه يفاجأ بالصديقة تحدثه أيضًا عن تلك الساحرة وتحذّره منها ومن سحرها، فيزداد رغبة في رؤية ذلك وتجربته عن قرب، فيتفق مع الخادمة التي في منزل هذه الصديقة على أن تعينه على معرفة سر الساحرة.

لكن في الليل يحدث ما لم يخطر له ببال إذ يهاجمه لصوص، فيقرر أن يتصدى لهم، وبالفعل ينجح في القضاء عليهم وقتلهم، فيقبض عليه بجريمة القتل.

في المحكمة، جاؤوا بجثث اللصوص الثلاثة لإثبات التهمة عليه، لكن عند كشف الغطاء عنها يتبيّن أنها ثلاث قِرَب ماءٍ مملوءة هواء، فيُطلَق سراحه لانتفاء الدليل، فيدرك أنّ الساحرة علمت بوجوده ورغِبت في الاتصال به بواسطة هذه الحيلة، فتشتد رغبته في التعرف إلى سحرها، وتساعده الخادمة على رؤيتها.

عندما يرى بعينيه كيف دهنت الساحرة نفسها بدهان فتحولت بعده إلى بومة وطارت إلى السماء، يعرف أن السحر حقيقي ومفعوله مؤكد، فيعاوده حلمه القديم في التحول إلى طير فيرجو الخادمة –التي أحبته– أن تحضر له ذلك الوعاء الذي دهنت الساحرة منه نفسها ليستعمله ويطير مثلها، لكن الخادمة تخطئ في إحضار العلبة الخاصة بالطيور، فتعطيه الدهان الذي يحوّله إلى حمار!

الإطار الكوميدي للرواية

بهذا يكمل الكاتب الإطار الكوميدي الذي سيبني عليه كل أفكاره الساخرة داخل الرواية، فقد تحول الشاب إلى حمار، مع الاحتفاظ بعقله البشري، وتبكي الخادمة بسبب تحول حبيبها إلى حمار، خصوصًا أن ذلك حدث بسببها، فتعده بأنها ستحضر له الدواء الذي يبطل هذا السحر، وهو عشب وردي يأكله فيعيده إلى شكله الآدمي، وتطلب منه أن يبقى في الإسطبل مع الفرس والحمار المملوكين لصاحب الدار حتى تحضر له ذلك الدواء، ولسوء الحظ يأتي لصوص الماشية والدواب فيسرقونه مع الفرس والحمار، ولا يعلم اللصوص أنهم سرقوا إنسانًا في شكل حمار يراقبهم ويعلم ما يفعلون، إذ يصبح شاهدًا على اختطاف عروس ليلة عرسها.

عندما يقع في غرام تلك العروس ويحسن معاملتها تقدر العروس مشاعره لكن باعتباره حمارًا، فهي لا تعرف عنه غير ذلك، وكان هو يقوم بأعمال الحمير ولا يحب شيئًا مثل أن يحمل محبوبته إلى أي مكان، لكن أصحاب الإسطبل ربطوه في الرحى ليديرها من أجل طحن الحبوب، كما استخدموه في حمل الحطب ونقل الأشياء، ولم يستطع تناول طعام الحمير؛ كان يفضل عليها بالطبع ما يأكله الناس، فلفت ذلك نظر أصحاب الإسطبل له وفهموا أنه حمار من نوع راقٍ يأكل مثل الناس لا مثل الحمير، وأن ذلك لا شك دليل على ذكاء نادر فيه، فبدأوا في تعليمه بعض الأشياء.

ملخص رواية الحمار الذهبي

رواية الحمار الذهبي

تقدم القصة مغامرات البطل الصاخبة وهو في هيئة الحمار، هي مغامرات فرض عليه خوضها فرضًا وراح فيها ينتقل من معاناة لأخرى ومن خطر إلى خطر، ومن ذلك أنه وقع في يد عصابة من الرهبان حمّلوه تمثال الإلهة إيزيس، ثم في يد صاحب طاحونة بعد القبض على الرهبان بتهمة السرقة، وعودته الشاقة إلى تشغيل الطاحونة، والأَمَرّ منه كان كراهية زوجة الطحان للحمير وإساءتها إليه.

ثم وقوعه في يد بستاني فظ قام بتجويعه وإهانته، ثم في يد جندي ثم في يد اثنين من الطباخين يعملان عند أحد الأثرياء، فراح يلتهم أطعمتهم ما جعلهما يتهم كل منهما الآخر بالسرقة، وسرعان ما يكتشفان أن الحمار هو الذي يلتهم الطعام، وعندما يخبران سيدهما بذلك يضحك ويبدي إعجابه بالحمار، ويسلمه لشخص يلقنه ألاعيب بهلوانية ليستعمله ضمن عروض ساخرة وشهوانية لكسب المال.

عندما يتمكن البطل من الهرب من العرض المسرحي الفاحش ويركض مبتعدًا، سيداهمه النوم ليجد نفسه على شاطئ بحر يتضرّع إلى ملكة السماء إيزيس بعد أن يغتسل على طريقة فيثاغورس سبع مرات في البحر بعشب الورد الذي عثر عليه أخيرًا لكي يرجع إلى طبيعته الآدمية ويتحرر من شكله الحيواني الممسوخ.

مضامين رواية الحمار الذهبي

العمل يستخدم إطارًا خياليًا ليقدم به وبطريقة ساخرة معاني حقيقية مرتبطة بالإنسان ونوازعه النفسية وأحلامه وأطماعه وغرائزه وخطاياه وتمرده على الواقع وخطايا العالم من حوله، وهو أسلوب معروف في الكتابة منذ قديم الأزل، وتراه بكثرة في الكتابات العربية القديمة بالذات، مثل كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة وحي بن يقظان وغيرها، إذ يمتزج الخيال بالتشويق بلذة الحكي بالعبرة الإنسانية، وكل ذلك عبر صراع الخير والشر داخل القصة، وستكشف التجربة للبطل أن الله يعاقبه بذنوبه، فقد فعل المحرمات مع الخادمة ورفض خلقته الإنسانية التي اختارها له الله، وأن كل المشاكل التي تعرض لها من المحاكمة إلى المسخ لحمار والخطف من قبل اللصوص ولوعة الحب بلا أمل، كل ذلك ما هو إلا ثمن ما اقترفت يداه.

مقالات ذات صلة:

تحولات الجسد في رواية لحن الصباح

رائعة الكاتب الألماني فرانز كافكا “المسخ”

رواية رجل الطبشور وأدب تصفية الحسابات

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف