مقالات

الْيُوْتُوْبْيَا

مَدِيْنَتِي الْفَاضِلَةُ جَنَّةٌ عَذْرَاءُ، ذَاتُ مُرُوْجٍ خَضرَاءَ، وَزُهُوْرٍ بَيْضَاءَ، وَوُرُوْدٍ حَمْرَاءَ، قَدْ تَشَاكَلَ فِيْهَا الْيَاسَمِيْنُ وَالْآَسُ، وَالْأُتْرُجُ وَالنَّرْجِسُ، وَتَنَاظَرَتْ فِيْهَا عَقَائِقُ النُّعْمَانِ مَعَ أَغْصَانِ الْبَانِ، وَتَبَخْتَرَ فِيْهَا الْفُلُّ وَالرَّيْحَانُ، وَتَبَاهَى الْعَنْبَرُ، وَرَقَصَ الزَّعْفَرَانُ،

مَدِيْنَةٌ قَدِ اخْتَفَى مِنْهَا الشَّوْكُ وَالْهَلُوْكُ، وَتَبَخَّرَ مِنْهَا سِيِّئُ السُّلُوْكِ، فَلَا تَدْمَى الْقَدَمَانِ، وَلَا تَتَأَثَّرُ الرَّاحَتَانِ، هُدُوْءٌ قَدْ عَمَّ، وَنَسَقٌ قَدِ انْسَجَمَ، لَا تَسْمَعُ الْأَنِيْنَ، وَلَا تَعِيْشُ إِلَّا بِالْيَقِيْنِ، وَلَا تَرَى الْأَحْزَانَ، وَلَا تَتَبَدَّى لَكَ الْعِقْبَانُ، فَالْكُلُّ سَعِيْدٌ جَذْلَانٌ، مُبْتَهِجٌ فَرْحَانٌ، مُتَهَلِّلٌ بِالْحُبُوْرِ، مُتَّشِحٌ بِكُلِّ أَنْوَاعِ السُّرُوْرِ.

مَدِيْنَتِي لَا تَشُمُّ فِيْهَا إِلَّا أَطْيَبَ رِيْحٍ، وَلَا تَقَعُ عَيْنُكَ عَلَى أَيِّ قَبِيْحٍ، وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا أَعْذَبَ الْأَلْحَانِ، وَرَائِعَ الْمُوْسِيْقَى وَالْأَشْجَانِ، وَهَادِئَ النَّغَمَاتِ، وَرَائِقَ الْكَلِمَاتِ، وَجَمِيْلَ الْعِبَارَاتِ، وَأَرْقَى الْكِنَايَاتِ، بَعْدَ أَنْ تَغَنَّى الْكَرَوَانُ وَصَدَحَ، وَتَرَنَّمَ الزُّرْزُوْرُ وَشَدَا وَمَدَحَ، وَلَمْ يَعُدْ مَالِكٌ حَزِيْنًا، وَلَا الْهَدِيْلُ غَدَا تَائِهًا مِسْكِيْنًا.

يوتوبيا بيئية

مَدِيْنَتِي جَوُّهَا عَلِيْلٌ، وَنَسِيْمُهَا بَلِيْلٌ، وَسَمَاؤُهَا صَافِيَةٌ مُشْرِقَةٌ، وَأَرْضُهَا قَوِيَّةٌ مُسْتَنْبِتَةٌ مُتَأَلِّقَةٌ، وَشَمْسُهَا أَصِيْلٌ لَا يُمَلُّ، وَقَمَرُهَا بَدْرٌ لَا يَضْمَحِلُّ، نَهَارُهَا لِلْكَادِحِيْنَ، وَضُحَاهَا لِلْعَامِلِيْنَ، وَلَيْلُهَا لِلْعَاشِقِيْنَ، وَدَلِيْلُهَا لِلسَّائِرِيْنَ، وَلَا مَكَانَ فِيْهَا لِلتَّائِهِيْنَ أَوِ الْحَائِرِيْنَ، وَهِيَ جَنَّةٌ لِلسَّالِكِيْنَ بِنُوْرِ الْيَقِيْنِ إِلَى سِدْرَةِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.

مَدِيْنَتِي مُتَلَأْلِئَةٌ سَاحِرَةٌ، وَأَيْقُوْنَةٌ مُنِيْرَةٌ آَسِرَةٌ، تَحَارُ الْعُقُوْلُ مِنْ جَمَالِهَا وَدَلَالِهَا، وَتُذْهَلُ الْأَلْبَابُ مِنْ حُسْنِهَا وَكَمَالِهَا، وَتَتَوَقَّفُ النُّفُوْسُ أَمَامَ بَيَاضِهَا وَبَهَائِهَا، وَتُشْغَلُ الْخَوَاطِرُ مِنْ ثَنَاهَا وَسَنَائِهَا، وَتَرُوْقُ لِلنَّاظِرِيْنَ مِنْ رَوْعَةِ صَقْلِهَا وَرَوَائِهَا، وَشِدَّةِ إِشْرَاقِهَا وَنَقَائِهَا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مَدِيْنَتِي قَدْ تَبَايَنَتْ أَطْيَارُهَا وَاخْتَلَفَتْ، وَتَنَوَّعَتْ غِزْلَانُهَا وَائْتَلَفَتْ، وَرَعَتْ فِيْهَا الْمَهَا، وَتَمَايَلَتْ فِيْهَا الظِّبَى، وَأُضِيْئَتْ فِيْهَا السُّهَى، وَاسْتَرَاحَ الْحَمَلُ وَاسْتَقَرَّ، وَغَادَرَ الذِّئْبُ وَفَرَّ، وَقَدِ اطْمَأَنَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى عَدْلِ الْأُسُوْدِ، وَتَنَبَّهُوْا وَحَاذَرُوْا مِنْ رَقْصِ الْقُرُوْدِ، بَعْدَ أَنْ أَمِنُوْا مَكْرَ الثَّعَالِبِ، وَفَهِمُوْا أَلَاعِيْبَ الْأَشَائِبِ، وَمَا عَادَ ثَمَّةَ مَوْضِعٌ لِلْغِيْلَانِ، أَوْ مَوْطِئُ قَدَمٍ لِلْبُوْمِ وَالْغِرْبَانِ، أَوْ مَكَانٌ آَمِنٌ لِلْهَوَامِ وَالْجُرْذَانِ.

سمات سكان اليوتوبيا

المدينة الفاضلة

مَدِيْنَتِي ذَاتُ شَخْصِيَّاتٍ يُوْتُوْبِيَّةٍ وَعَوَالِمَ أَثِيْرِيَّةٍ، وَحَيَوَاتٍ مِثَالِيَّةٍ، وَأُنَاسٍ شَفَّافَةٍ نُوْرَانِيَّةٍ، يَعْرِفُوْنَ قِيْمَةَ الْأَخْلَاقِ، وَيُدْرِكُوْنَ أَهَمِّيَّةَ الشَّمَائِلِ وَالْأَعْرَاقِ، وَيَتَّخِذُوْنَ مِنَ الصِّدْقِ شِعَارًا، وَمِنَ الْأَمَانَةِ دِثَارًا، وَمِنَ الْمُرُوْءَةِ مَرْكَبًا، وَمِنَ الشَّجَاعَةِ مَطْلَبًا، وَمِنَ الْإِخْلَاصِ مَذْهَبًا، وَمِنَ الْقَنَاعَةِ دَلِيْلًا، وَمِنَ النَّزَاهَةِ سَبِيْلًا، وَمِنَ الْخَيْرِ زَادًا، وَمِنَ الْبِرِّ عَتَادًا، وَمِنَ السَّعَادَةِ مُرَادًا، وَمِنَ الْقَصْدِ رَفِيْقًا،

وَمِنَ الزُّهْدِ طَرِيْقًا، وَمِنَ الْعَدْلِ جُنَّةً، وَمِنَ الْحَقِّ سُنَّةً، وَمِنَ الْعِلْمِ سِرَاجًا، وَمِنَ الْحُلْمِ مِنْهَاجًا، وَمِنَ التَّفَاؤُلِ فِجَاجًا، وَمِنَ الْخَفْضِ ظَهِيْرًا، وَمِنَ الصَّبْرِ وَزِيْرًا، وَمِنَ الْكَرَامَةِ نُوْرًا، وَمِنَ الْعِفَّةِ سُوْرًا، وَمِنَ التَّوَاضُعِ قَائِدًا، وَمِنَ الْوَفَاءِ رَائِدًا، وَمِنَ التَّسَامُحِ شَاهِدًا، وَمِنَ الْحُبِّ حَيَاةً، وَمِنَ التُّوْءَدَةِ طَرِيْقَ نَجَاةٍ، وَمِنَ الْقُرْآَنِ لَبِنَةَ تَمَامٍ، وَمِنَ الشَّرِيْعَةِ مِسْكَ خِتَامٍ.

يوتوبيا أخلاقية

هُمْ أُنَاسٌ تَعَلَّمُوْا الْأَدَبَ، وطَلَّقُوْا الْكَذِبَ، وَهَجَرُوْا الْإِحَنَ، وَنَفَرُوْا مِنَ الْمِحَنِ، وَفَرُّوْا مِنَ النِّفَاقِ، وَغَابُوْا عَنِ الشِّقَاقِ، وَعَاشُوْا بِالصَّفَاءِ، وَتَمَلْمَلُوْا مِنَ الرِّيَاءِ، وَابْتَعَدُوْا عَنِ الْحَسَدِ، وَعُصِمُوْا مِنَ الْحِقْدِ، وَعَزَفُوْا عَنِ الْخِيَانَةِ، وَاعْتَصَمُوْا بِالصِّيَانَةِ، وَبَرِئُوْا مِنَ الْغَدْرِ، وَأَمَرُوْا بِالسَّتْرِ، وَهَرَبُوْا مِنَ الزَّيْفِ، وَغَضُّوْا عَنِ الْحَيْفِ، وَتَعَامَوْا عَنِ الصَّلَفِ، وَأَشَاحُوْا عَنِ التَّلَفِ، وَتَنَزَّهُوْا عَنِ الدَّنَاءَةِ،

وَاجْتَنَبُوْا الْبَذَاءَةَ، وَكَفُّوْا عَنِ السُّوْءِ، وَلَمْ يَأْبَهُوْا بِالضَّوْءِ، وَأَقْلَعُوْا عَنِ الشَّرِّ في السِّرِّ وَالْجَهْرِ، وَتَرَكُوْا الْأَشَرَ، وَأَنَارُوْا الْقَمَرَ، وَامْتَنَعُوْا عَنِ الدَّنَسِ، وَانْصَرَفُوْا عَنِ الرِّجْسِ، وَرَحَلُوْا عَنِ الْبَغْضَاءِ، وَظَعَنُوْا عَنِ الْكَرَاهِيَةِ وَالْإِيْذَاءِ، وَأَغْمَضُوْا عَنْ كُلِّ مَا الْتَوَى، وَنَهَوْا النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، وَأَمَرُوْهَا بِسَبِيْلِ الْهُدَى، وَامْتِشَاقِ حُسَامِ التُّقَى وَالرِّضَا.

وَهَا أَنَذَا أَخِيْرًا أَحْلُمُ بِمَدِيْنَةٍ فَاضِلَةٍ، حَيْثُ الْحَقُّ وَالْخَيْرُ وَالْجَمَالُ، بَعِيْدًا عَنْ أَوْضَارِ الْمَادَّةِ وَالْجَسَدِ، وَأَدْرَانِ الْعَرَضِ وَالْحَسَدِ، وَأَقْذَارِ الْحِسِّ، وَأَقْذَاءِ النَّفْسِ.

اقرأ أيضاً:

اليوتوبيا، جنة على الأرض

الديستوبيا!

رواية 1984… كيف نصنع بالتفكير واقعاً مغايراً داخل المجتمع

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب