العقل الجمعي .. التجرد وطريق الخروج
نجد في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر العديد من ” الهاشتاجات” التي تحتوي على أمر معين يجب على الجميع فعله ومشاركته، وأيضا الاعتقاد بأن المنشورات التي تحتوي على الآلاف من الإعجابات تقدم محتوى مفيد. وفي واقعنا الحالي نجد بعض الأفكار التي لا تمت للعقل أو المنطق بأية صلة،
وعلى هذا يتم التأثير تلقائيا في الوعي الاجتماعي نتيجة لحاجة الأفراد للاتصال والتواصل مع الآخرين، ولنشر فكرة ما يتم تناقلها بين الناس من ثم قبولها والاعتياد عليها تكتسب حكمها العادي من واقع تكرار فعلها من قبل العديد من الناس، وتكرار فعل شيئ ما أو اعتقاد معين يؤدي إلى أن يصبح من العادات والتقاليد فيما بعد وتكوين أيدولوجية ومن ثم سلوكا يترتب على تلك الأفكار، يمكن تسمية هذا كله باسم (العقل الجمعي) .
العقل الجمعي
فإن العقل الجمعي يُؤثر بشكل أو بآخر على آراء الفرد وفي تبني أيديولوجياته ومعتقداته وسلوكه و هو بالأمر الخطير إذا أمعنا البصيرة فيه، فالاعتقاد بأن الفكرة السائدة هي معيار للحق؛ لأنه أجمع عليها عدد كبير من الناس أو الأغلبية؛ فيصبح هذا الاعتقاد حينئذ بديلا للعقل، فيضطر الناس إلى أن تُسلم ضميرها وبصيرتها لطغيان ثقافتها الجاهزة وتقاليدها الموروثة حتى لو كانت تلك ثقافة جاهلة وتقاليد حمقاء،
غير أن التاريخ يعلمنا أن أفكار الكثرة واعتقاداتهم كثيرا ما تبين خطؤها الذريع وبطلانها التام فمثلا حظى الرق بتأييد الأغلبية في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، وقديما كان الاعتقاد بأن الأرض مركز الكون عدا جاليلو، و قس على هذا الكثير من المواقف و الأفكار.
ما يصلح له العقل الجمعي وما لا يصلح
لكن لا ينبغي بأي حال لاعتقاد أو فكر أن يكون حقًا لمجرد أنه موقف الأغلبية ولا لاعتقاد أن يكون باطلا لمجرد أنه رأي القِلّة، فإن العقل الجمعي يصلح فقط لقياس توجهات مجتمع ما و ميول أغلب أفراده و لكنه لا يصلح لقياس الصواب والخطأ معرفيا وعلميا وفلسفيا،
إنه هروب من برهان الرأي إلى سلطان الرأي، فهو قياس شيوع وميول وليس صواب و أفضلية بالضرورة، و بالتالي عدم إعمال النقد فيما يتوارث ويتناقل بين الناس. فالفكرة التي نتعرض لها تحتاج من البحث والتدقيق استنادًا على دعائمها وما تقدمه من أدلة و براهين تثبت صحتها عقلا. وعليه فلا تبخل بجهد من أجل الخروج من كهف الآراء الشائعة والتمييز بين حقائق العالم، وبين مجرد المسايرة لما تصادف أن يكون هو رأي الأسلاف أو اتُفق أن يكون هو الرأي السائد في مسقط رأسنا وزمان وجودنا.
كيف نتحرر بحكمة من الوعي الجمعي؟
و نخلص هنا إلى أن التحرر من الوعي الجمعي مطلوبًا، ولكن ليس هناك تحرر مطلق، بل إنه يُخلصك من قيد للوقوع في قيد آخر فإما أن تتخلص من قيد التجرد الذي يحيلك من قوانين العقل الجمعي الإنساني لتقع أسيرا لقيدك الفردي الأناني الذي يضع لك قوانينك الخاصة المستجيبة لنزعاتك الفردية و تطلعاتها،
وإما أن تتجرد و تتحرر من نزواتك و أهوائك وآرائك الفردية المتأثرة بعوامل عديدة لتتجرد بعقلك الذي وقتها سيكون عقلاً إنسانيًا خالصًا لا يمثلك أنت فقط، بل يسري تجرده وتفكيره على الجميع وبالتالي يحيلك تحررك من نفسك إلى تسليمك بقوانين العقل المجرد.
ولا يسعنا إلا أن نقول أن الحكيم هو من يشحذ نفسه و يوجهها نحو غاية سليمة طيبة النية.
اقرأ أيضا:
العلوم النظرية والعلوم التطبيقية.. أيهما أهم ؟
التعميم الأعمى يلاحقنا .. لماذا هو أعمى ؟ وكيف لنا أن نتخلص منه ؟