نظرة تحليلية في فستان الممثلة الفلانية!
شاهد قبل الحذف، الممثلة الفلانية ارتدت فستانا فاضحا في المناسبة العلانية! فثار الجدل واشتد الهجوم عليها فاعتذرت، ثم خرجت حملات تدعم حريتها وترمي المجتمع بالتخلف، فكررت فعلتها مرة أخرى!
هل من حق الممثلة الفلانية التصرف بحريتها في الملبس؟ وهل من حق البعض الاعتراض؟ وهل فعلا يمكننا الحكم على هذه الممثلة من خلال ملابسها؟ وهل ارتداء الممثلة لهذه الملابس يؤدي لانتشار التهتك في المجتمع كما يزعم البعض؟
بالطبع فستان هذه الممثلة أو غيرها ليس في ذاته شيئا مهما على الإطلاق، لكنه أثار العديد من المسائل المهمة الخاصة بالحرية والمجتمع والأخلاق والتأثير في الآخرين.
هل هي حرة؟
ربما أصبح من قبيل المسلمات أن نقول إنه لا توجد حرية مطلقة، وهي معلومة بديهية يدركها الإنسان بنفسه ببساطة، إذ إنه لا يمكنه مثلا أن يطير بحرية في الهواء دون آلات مساعدة!
وعلى مستوى المجتمع فإن أكثر المجتمعات حرية لديها قوانين رادعة ضد من يرتكب الجرائم ويهدد النظام العام، وإن كانت الممثلة حرة فإن منتقديها أحرار في نقدهم إياها أيضا!
لكن البعض سيجادل بأن الحرية محدودة بقيود بالفعل، لكن هذه القيود هي ألا يضر الفرد غيره لذلك تفرض الدول الحرة عقوبات على الجرائم، وألا يعطل الفرد حرية غيره مثلما يفعل هؤلاء المنتقدون.
لكن من الذي يحدد الضرر الممنوع ممارسته على الغير؟ إذ إن الاتجاهات الأخلاقية سترى في فعل الممثلة ضررا هائلا بأخلاق الشباب، وتدميرا خطيرا لقيم المجتمع.
وكيف يمكن الفصل بين الفعل الفردي والمجتمعي؟ إذ إن كل فعل فردي له أثر اجتماعي، فالمجتمع مجموعة أفراد، فإن اختار أحدهم ألا يعمل مثلا عملا مفيدا للمجتمع فهذا يعني أن هناك ضررا قد لحق بالمجتمع ككل! إذ فقد شخصا عاملا! صحيح يجب التفرقة بين من يرفض العمل المفيد ولا يحاول التأثير على غيره، وبين من يدعو باقي المجتمع لترك العمل، وبين من يستعمل السلاح لإجبار الآخرين على ترك العمل! فكل منهم له ضرر مختلف على المجتمع، والاختلاف بينهم كبير، والتعامل معهم يجب أن يكون مختلفا.
ومن الذي يحدد الفعل الذي يؤثر على حرية الآخرين؟ فسيرى البعض أيضا في فعل الممثلة وما تبعه من انتشار صورها تأثيرا على حريته في التحلي بخلق كغض البصر مثلا! أو تعدي على حريته في تربية ابنه في مجتمع لا يدعو لخلع الملابس والتعري في العلن!
فالنتيجة هي أنه لا توجد حرية مطلقة، بل لا بد من حدود وقيود واضحة، والقيود التي يحاول البعض استيرادها من ثقافات أخرى وفرضها علينا هي قيود هلامية غير واضحة، وتتعارض مع وجهات نظر أخرى كثيرة كالاتجاهات التي تعلي من قيمة المجتمع، والاتجاهات الأخلاقية والروحية، بل وحتى الاتجاهات الإلهية والدينية، بل تتصادم حتى مع قيم مجتمعاتنا وعاداتها، فلماذا يحاولون فرض رأيهم على البقية ثم يدّعون حرية الرأي والممارسات؟
هل يمكننا الحكم عليها بسبب الفستان؟
إشكالية أخرى كبيرة يتم طرحها عند النقاش في هذه الحادثة وأمثالها، وهي ألا نحكم على الأشخاص بسبب ملابسهم أو أفعالهم، فما مدى صحة هذا الكلام؟
صحيح لا يجب أن نحكم على شخص بشكل عام بسبب سلوك أو تصرف ارتكبه، لكن يجب أن نميز بين عدة أمور، فهناك فرق بين الحكم على سلوك معين، والحكم على أخلاق معينة، والحكم على شخص معين.
فالحكم على سلوك بأنه حسن أو قبيح شيء صحيح ويتفق عليه جميع البشر، وبدونه تنهار المجتمعات والنظم والقوانين والأحكام القضائية بل وحتى العلوم التطبيقية والعملية!
فمثلا نحن نحكم على سلوك السرقة بأنه قبيح، وكذلك سلوك القتل بغير حق، والكذب والخيانة، كما نحكم على عملية جراحية بأنها كانت خطأ طبيا. بل حتى الاتجاهات التي تدّعي عدم الحكم على سلوكيات الآخرين تحكم على سلوكياتهم! فهم يقولون إن سلوك انتقاد الممثلة سلوك سيء!
والحكم على الأخلاق تابع للحكم على السلوكيات، فخلق الكذب يعني ببساطة أن سلوك الكذب أصبح عادة راسخة في الشخص، ولما كان الكذب قبيحا يصبح خلق الكذب قبيحا.
والحكم على الشخص أنواع، فالحكم بأن فلان ارتكب سلوك الكذب القبيح حكم ممكن ويتفق عليه جميع البشر.
لكن الحكم بأن فلان كذّاب أي لديه خلق الكذب القبيح فهو يحتاج إلى اختبار فلان في مختلف الظروف ليكون أكيدا، أو أغلبها ليكون راجحا، فإن لم يتحقق هذا الشرط يصبح الحكم تجنيا عليه، مع ملاحظة أن فلان يمكن أن يتغير فيتجه للصدق بعدما كان كذابا دون أن تدري أنت، فحكمك مقيد بالظروف التي تم فيها اختباره، وهذا الاختبار مطلوب في بعض الحالات كاختبار الطرف الآخر هل يصلح كشريك حياة لي أم لا؟
أما الحكم على هذا الشخص -حتى وإن كان كذابا أو يرتكب سلوكيات قبيحة-بأنه أسوأ منك أو أحسن من فلان، أو ما يستتبعهما من أحكام مثل إن فلان سيدخل الجنة وفلان النار، فهو حكم غير متيسر لنا نحن البشر، لأنه يحتاج إلى معرفة كل الظروف والحيثيات التي أثرت في فلان وجعلته كذابا، فربما لو كنت تعرضت أنت لنفس الظروف لكنت أسوأ منه، فالعدل هو أن يراعي الحكم كل الحيثيات، فلا يساوى بين شخصين تعرضا لظروف مختلفة، وبالمثل يكون العدل في الثواب والعقاب، وقد يقتضي العدل قبول العمل الحسن القليل من شخص ورفض الكثير من آخر لأسباب مثل هذه وغيرها.
هل هذا السلوك يؤثر في المجتمع؟
أي سلوك فردي له بعد اجتماعي كما سبق، وبعض الأفراد في المجتمع لهم تأثير أكبر من غيرهم، كالمشاهير والناجحين في بعض النواحي الحياتية، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع سبب شهرتهم أو تقييم نجاحهم، وهذه الممثلة تنتمي لهذه الفئة بالطبع، بل إن هذه الفئة تفخر في كثير من الأحيان بتأثيرها في المجتمع، فلماذا يأتي البعض في لحظة ما وينكر هذا التأثير؟
والتأثير في الغير قد يكون عن طريق التأثير في عقولهم أو أجسادهم، أو أخيرا في مشاعرهم وغرائزهم كالشهوة والغضب، وتحريك الشهوات والتأثير فيها من أهم وسائله مخاطبة الحواس مثلما فعل الفستان، بل هي البوابة الأولى للشهوة، سواء شهوة الأكل أو الشرب أو الجنس أو أية شهوة أخرى، فإذا أردت تحريك شهوة إنسان خاطب حواسه بما يلائم هذه الشهوة، سواء بصرا أو سمعا أو لمسا أو شما. أما الطريقة الثانية لتحريك الشهوة فهي مخاطبة خياله مثلما تفعل بعض القصائد والروايات.
وتحريك الشهوات له بشكل طبيعي تبعات على الأفراد الآخرين، إذ إن ذهن الإنسان انشغل لفترة من الزمن بهذه اللذة الشهوية، دعك من أن بؤرة شعوره تعلقت بهذه الشهوة بعضا من الوقت، وقد يبدأ في ممارسة سلوكيات معينة لنيل هذه الشهوة.
هذه السلوكيات قد تكون منضبطة بالعقل عند البعض فيطلب الشهوة بشكل مناسب وملائم ومشروع، والبعض الآخر قد تغلب شهوته عقله فيقوم بطلب هذه الشهوة بصورة ضارة له ولغيره، فيتحرش بأخرى مثلا، وهو بالطبع أخطأ هنا خطأ كبيرا وهو أنه لم يُحكّم عقله ويضبط نفسه، لكن عند الحديث على المجتمع ككل فإننا يجب أن نراعي جميع الحالات والأشخاص حتى ضعاف العقول.
فمثلا لمنع السرقة نحن نهذّب الناس ونعلمهم ونربيهم ألا يسرقوا، لكننا أيضا نحمي ممتلكاتنا من السرقة أي نراعي احتمالية وجود أشخاص لم يتهذبوا بشكل كافٍ لضبط أنفسهم ومنعها من السرقة! فإصلاح المجتمع يضع في الحسبان كل الأفراد، ويساعد الشخص على تهذيب نفسه فلا يترك أمامه المال والمغريات ليل نهار ثم يدعوه ألا يقترب منها!
والأمر في مثال التحرش والسلوكيات الجنسية مختلف بالتأكيد، لكن النفس الإنسانية تتأثر بالمجتمع من حولها بالطبع، وتحتاج لمساعدة المجتمع بالتأكيد لإصلاح نفسها، لذلك فحتى الاتجاهات التي تعترض على هذه الرؤية تعمل على نشر قيمها التي تريد غرسها في الناس، وتربية الأفراد عليها، والدعاية لها في المحافل الإعلامية، ومهاجمة أو منع من يهدد هذه القيم، وخلق مناخ وبيئة في المجتمع تساعد الأفراد على التحلي بهذه القيم وممارستها.
إن فستان الممثلة الفلانية ليس مهما بالتأكيد، لكن يجب أن نحذر من الأفكار الخاطئة التي يتم بثها في مثل هذه المناسبات، والتي لها بالتأكيد أثرا فتاكا على المجتمع أخطر بكثير من أية ممثلة وأي فستان! وأن نضع أية فكرة على ميزان العقل والمنطق أولا! بل هذه الأفكار هي التي تنشأ عنها السلوكيات التي نحللها في هذا المقال أو غيره!
اقرأ أيضاً:
بحب السيما – ما هو حال الفن والإعلام بشكل عام و السينما بشكل خاص ؟