مقالاتقضايا شبابية - مقالات

لماذا نرفض التطبيع مع إسرائيل ؟

التطبيع في اللغة العربية يعني جعل العلاقات طبيعية عادية، وهي من الفعل”طبَع”، وتعني أيضا العودة إلى وضع أو ظرف عادي، وتشير كلمة ( التطبيع ) في المجال السياسي إلى قرار إعادة العلاقات بين دولة ودولة أخرى بعد فترة من قطعها.[1]

إذن، التطبيع من خلال العلاقات مع إسرائيل يعني أن نتعامل معها كما نتعامل مع أي دولة صديقة، يكون هناك تعاون اقتصادي أو شراكات واتفاقيات اقتصادية ، وتبادل للتمثيل السياسي متمثل في السفارات، يسافر مواطنونا إليها ونستقبل مواطنيها لكافة الأغراض المشروعة، تجمعنا معها أهداف مشتركة وغايات واحدة ومصالح وربما تعاوننا في صد عدوان ما، وغيرها من أشكال العلاقات الدولية المعروفة في يومنا هذا.

ننظر الآن إلى إسرائيل، أو الطرف الذي نتأمل التطبيع معه.

الدعوات لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين قديمة وربما تزامنت مع إصدار ثيودور هرتزل لكتابه”الدولة اليهودية”.

هرتزل كان زعيم المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897 والذي نص على أن أهم بنود الحركة الصهيونية هو إقامة وطن قومي آمن لليهود ومعترف به قانونيًا في فلسطين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1948، وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت بالمساعدة على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فيما عرف بوعد بلفور.

لدينا إذن زعماء صهاينة يخططون لإقامة دولتهم المزعومة ويبذلون في سبيل ذلك الكثير، وقوة استعمارية كبيرة تحتل الأرض وتعهدت بمساعدتهم على تحقيق أملهم المنشود.

بالفعل سهلت بريطانيا هجرة اليهود لفلسطين بأعداد كبيرة وتوطينهم فيها.

ربما تتساءل الآن عن الشعب الفلسطيني المنسي تماما ربما، المنسي في التعهدات بتوطين اليهود في أرضه والمنسي ربما في أدبيات الصهاينة الذين يعدون العدة للاستيلاء على وطنه، وكأنهم فعلا قد اقتنعوا أنها أرضا بلا شعب.

لكنهم في الحقيقة لم يصدقوا تماما أنها أرضا بلا شعب، وكانت لديهم رؤيتهم في التعامل معه، فمثلا هرتزل زعيم الصهيونية كتب في يومياته عن الطرق والوسائل المختلفة لنزع ملكية الفقراء، ونقلهم، واستخدام السكان الأصليين في نقل الثعابين وما شابه ذلك، ثم إعطائهم وظائف في دول أخرى يقيمون فيها بصورة مؤقتة.[2]

وينقل “المسيري” أيضًا وصف الكاتب الإسرائيلي “موشي سيملانسكي” لما صوره اجتماعًا للرواد الصهاينة الاشتراكيين عام 1891، حيث تم توجيه بعض الأسئلة بخصوص العرب:

“إن الأرض في يهودا والخليل يحتلها العرب

-حسنًا سنأخذها منهم.

كيف؟(صمت)

-إن الثوري لا يوجه أسئلة ساذجة

-حسنًا، إذن، أيها الثوري، قل لنا كيف؟

وجاءت الإجابة في شكل عبارات واضحة لا لبس فيها ولا إبهام: إن الأمر بسيط جدًا. سنزعجهم بغارات متكررة حتى يرحلوا.. دعهم يذهبوا إلى ما وراء الأردن.

وعندما حاول صوت قلق أن يعرف ما إذا كانت هذه ستكون النهاية أم لا، جاءت الإجابة، مرة أخرى، محددة وقاطعة: حالما يصبح لنا مستوطنة كبيرة هنا، سنستولي على الأرض وسنصبح أقوياء وعندئذ سنولي الضفة الشرقية اهتمامنا وسنطردهم من هناك أيضًا، دعهم يعودوا إلى الدول العربية”[3]

واقترح “آرثر روبين” مدير دائرة الاستيطان الصهيوني، في عام 1911 ترحيلًا محدودًا للسكان من الفلاحين العرب الذين تنزع منهم الأرض إلى شمال سوريا، وذلك تمكينًا لليهود من شراء الأرض.

أما “حاييم وايزمان” فقد كتب بعد زيارة إلى فلسطين خطابًا إلى ابنه تضمن”أن عرب فلسطين أشبه بصخور منطقة يهودا، فهم عوائق يجب إزالتها عن هذا الدرب الصعب”، وتقدم وايزمان باقتراح رسمي عام 1930 إلى وزارة المستعمرات البريطانية متضمنًا خطة وضعها “بنحاس روتنبرج” (مؤسس شركة كهرباء فلسطين) تقوم على أساس جمع قرض بمبلغ مليون جنيه فلسطيني لتمويل توطين الفلسطينيين في شرق الأردن.

أما “بن جوريون” فقد ذكر في خطاب ألقاه في 29 يوليو 1973 أمام مؤتمر (إيحود بوعالي تسيون) العالمي، المعقود في مدينة زيورخ  اقتراح ترحيل السكان العرب من أرض الدولة اليهودية طوعًا إذا أمكن وقسرًا إذا استحال ذلك، يصبح في الإمكان توسيع رقعة الاستيطان اليهودي.[4]

وغيرها من تصريحات آباء الدولة الإسرائيلية التي تعبر بوضوح عن العنصرية الشديدة بل والإجرام والنية المبيتة لممارسة أي وسيلة لتفريغ الأرض من سكانها!

والممارسات الإسرائيلية كانت بالفعل مصداقا لتلك التصريحات، فقد قامت العصابات الصهيونية الأرغون والهاجاناة وغيرها بأعمال وحشية لإجبار أهالي القرى الفلسطينية على ترك قراهم وإخلائها عن طريق المجازر والقتل والتشريد ومذبحة “دير ياسين” تشهد وذلك قبل إعلان دولة إسرائيل أصلا أي أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين! وهذه العصابات هي التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي واستمرت مذابحها حتى يومنا هذا!

ما تزال إسرائيل ترتكب المجازر في حق شعبنا الفلسطيني، ما تزال تحاول تصفية أصحاب الأرض لعلها بذلك تكتسب أحقية فيها، أحقية قائمة على المجازر والوحشية!

حتى يومنا هذا تقصف العصابات الصهيونية الأطفال فترديهم قتلى وتعتقلهم وتعذبهم وتصادر الأراضي وتطرد منها أهلها، والسجل حافل بالجرائم الذي يضيق المجال عن ذكرها هنا إلا أن الكل شاهد عليها وإن أنكر ذلك!

تلك هي إسرائيل التي نتأمل التطبيع معها واعتبارها دولة صديقة!

كيان قيامه واستمراره مبني على الظلم والانتهاك والعنهجية وبسط النفوذ والسيطرة بالقوة.

بلغة المنطق والعقل وجودها باطل غير شرعي، وواجب مقاومتها ومقاومة الفكر الذي قامت عليه؛ أن الحق يفرضه ويحدده الأقوى!

وبلغة الدين فالكيان الصهيوني يستبيح المقدسات المسيحية والإسلامية وينتهكها ولا يحفظ لها حرمة!

وبلغة القومية فهو كيان غاصب محتل لجزء غالي من أرضنا العربية مهدد لهويتنا يسعى في تغييرها منذ عشرات السنين!

فكيف إذن يمكننا قبول التطبيع مع هذا الكيان الهمجي الذي لا يحترم إنسانية الإنسان وحقه في الحياة بكرامة على أرضه، ولا يحترم حقه في ممارسة العبادات في كنائسه ومساجده؟

التطبيع يعني قبول بالباطل وتنازل عن الحق، يعني معاداة عقولنا وتجاهلها، يعني التنازل عن إنسانيتنا ! وهو بالتأكيد ما لا نقبله!

[1]   https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9/

[2]   عبد الوهاب المسيري-الصهيونية والعنف ص225

[3]   المصدر نفسه ص227و228

[4]   السفير طاهر شاش- التطرف الإسرائيلي جذوره وحصاده ص64-66

 

اقرأ أيضًا :

“فلسطين حرة.. ستبقى قضيةً حية”

القضية الأهم في عالمنا اليوم.. كيف ننصر فلسطين؟

فلسطين ومركزية القضية

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية