لعبة العروش, النهاية التي نستحقها
لقد أتت النهاية
لعبة العروش هو مسلسل فنتازيا ملحمي وهو اقتباس لرواية لعبة العروش التابعة لسلسلة روايات أغنية من ثلج ونار لمؤلفها “جورج آر. آر مارتن” المسلسل بدأ عرضه في عام 2011 وكانت النهاية لآخر حلقاته في العام 2019.
8 سنوات قضاها متابعو هذا المسلسل بين التفاعل مع الشخصيات وحبك نظريات بخصوص الأحداث المستقبلية ومقارنة أحداث المسلسل بأحداث الرواية، وكما يقول النقاد صار هذا المسلسل ظاهرة أخذت مكانها بين أساطير وأيقونات الدراما الغربية،
إلا أن كل هذا لم يشفع للمسلسل عندما صدر الموسم الأخير؛ حيث أن المشاهدين شعروا أنه تم إنتاجه بشكل أقل من المستوى المطلوب وحيث أنه كان هذا هو الموسم الأخير فكان المشاهدون ينتظرون إجابات لكثير من النظريات والحبكات والألغاز التي وضعها مؤلفو المسلسل. جاءت النهاية مخيبة لعديد من الآمال بشكل كبير وشعر المشاهدون بالخذلان.
الانفصال بين المنتجين والرواية
المسلسل كان يسير بالمحاذاة مع المجموعة القصصية الأصلية التي يقوم الكاتب الأصلي بكتابتها وهي لم تنته بعد بالمناسبة. فعندما جاء الموسم السادس حدث انفصال بين المنتجين والرواية فقرر المنتجون استكمال المسلسل على حسب رؤيتهم وطبعا كان هناك استعانة بشكل ما بمؤلف الرواية الأصلية؛ فتم اختزال كتابين لم يصدروا بعد إلى موسمين فقط كانا الأقل تقييما في تاريخ المسلسل.
نريد أن نمعن في عدة أمور؛ أولا رؤية الكاتب لقصته، ثانيا رؤية المنتجين، ثالثا مشاعر المشاهدين.
رؤية الكاتب
من قرأ الروايات سيعرف كيف يعني الكاتب بالتفاصيل ونضوج الشخصيات وتحولاتها، وتشابك مصائر أبطال الرواية بشكل ملحمي ويغلف كل هذا نسيج بالنبوءات عن الخطر الداهم الذي يعتبره سكان “ويسترس” من أساطير الأولين ويتبين لاحقا أنه حقيقي،
وعن المخلص الذي يسير في خطى ليس لها قيمه في ذاتها لكنها توصله للحظة الحقيقة التي يقرر أن يتحمل المسئولية ليصير بطلا، كل هذا مع خليط غريب من الأديان القديمة والحديثة وإله النور الذي يحرك الأحداث عن طريق كهنته لينقذ العالم بشكل أو بآخر.
رؤية المنتجين
يبدو أن المنتجين قد سئموا المسلسل وتفاصيله وأرادوا أن يتفرغوا لمشاريع أخرى؛ فلقد حقق المسلسل المطلوب منه وصار أيقونة عالمية. وأخرج أجيالا جديدة من الممثلين وحقق أرباحا خيالية؛ أي أنه بشكل ما حقق المراد منه ماديا.
حتى إن كاتب الرواية لديه عوالم متشابكة يمكن الاستفاده منها في أعمال أخرى. لعل كل هذه الأسباب أغرت المنتجين بإنهاء المسلسل بهذا الشكل الفج الذي كان صداه عالميا كما ذكرنا من قبل، فالمنتجين اهتموا بالربح المادي دون إيصال معنى أو سد احتياج الجمهور الذي سنتناوله بعد قليل.
قبل أن نتكلم عن احتياجات الجماهير هناك مثالان سنذكرهم هنا؛ الأول عن شعورك تجاه قصة لا نهاية لها أو لها نهاية مفتوحة، الثاني هو شعورك عندما يقوم شخص ما لطيف بإخبارك بنهاية فيلم أو مسلسل أنت لم تشاهده بعد أو كما يقول التعبير المتداول “يحرق النهاية”
هل حضر لديك الشعوران؟ إذن فلنستكمل..
مشاعر المشاهدين
كانت احتياجات المشاهدين بسيطة، نهاية تليق بالمسار الملحمي للمسلسل، عن معنى منتزع من الأحداث الكبيرة، والسعي البطولي للشخصيات، تحقق النبوءات، تحقيق العدالة لبعض المكاسب لبعض الشخصيات ونهاية سعيدة نوعا ما لبعض الشخصيات الأخرى،
فالمشاهدون شعروا ببعض العبث عندما تُركت كثير من الأمور مفتوحة أو لم تُحسم بعد أو أمور كان يتم بناؤها منذ الموسم الأول فجأة اختفت كأنها لم تكن في الحسبان من الأساس.
القليل من الناس يحب النهايات المفتوحة، بل إن كثيرا منهم يحب النهاية السعيدة، انتصار البطل، موت الشرير، العدالة، الزواج، الأطفال، حتى في حياتنا نأسف للنهايات غير السعيدة، نحن مهتمون بالنهايات كما نهتم بالبدايات،
نحب أن نؤمن بأن سعينا ليس عبثيا، وأنه سيصُب في شيء مهم بهذه النهاية ومن هنا نجد أهمية أن نشعر بمعنى لحياتنا وأن مساراتنا عندما تتقاطع مع مسارات أخرى ستؤدي الى أحداث أخرى مؤثره.
هذا احتياج بشري أكيد، قصة لها بداية ونهاية، وإذا كانت البداية عظيمة والأحداث أعظم فلابد النهاية ستكون أسطورية جديرة بالعناء، هذا هو ما يفكر فيه الإنسان عندما يقرأ قصة أو يشاهد عملا سينمائيا أو عندما يقرر أن يكتب قصة حياته ليستفيد منها الآخرين.
كثير من متابعي المسلسل تواصلوا مع كاتب الروايات ليطمئنوا هل ستكون الرواية كالمسلسل، قال لهم لا بل ستكون أفضل بكثير.
نهاية تليق بعدالة الإله
هذا شعور الناس بخصوص مسلسل أو رواية بدأت وانتهت وفي النهاية مهما لاقت من زخم ستوضع على الأرفف لتنصب الأذهان إلى أمور أخرى.
ماذا عن حياتنا؟ ماذا عن قصصنا؟ إذا كنا نحب الخاتمة في الروايات لماذا ننظر بعبثية لقصصنا وحيواتنا وتاريخنا؟ لماذا نعتبر أن كاتب روايات أفضل من الإله ليعطينا نهاية تليق بحياتنا؟ لماذا نعتبر إقامة حكومات تقوم على القيم هو أمر من ضرب الخيال أو يليق بالروايات فقط؟ هل الإله عاجز عن التسهيل لهذا؟
هلى نحن كبشر نستحق؟ هل كل النبوات والفلسفات والمعارك وانتشار الظلم وصراع الحق والباطل سيكون بلا نهاية لائقة؟ هل مصيرنا هو كما يقول البعض سيكون دمار الأرض أثر كارثة كونية؟
لا أظن، أوقن أن الإله كاتب روايات عظيم حكيم لا يخلق شخصيات عبثا، بل سيوظف كل هذا ليظفر الإنسان بالمجتمع الذي تتكامل فيه العقول وتنمو إمكانيات البشرية تحت حكومات قيمية تساعد البشر على التكامل والسمو.
أوقن أننا قادرون على المضي في حياة لها معنى وأننا قادرون على أن نضع لها نهاية نليق بعظمة الإنسان كمخلوق وتليق بحكمة وتقدير وعدالة الإله.
أعجبني شخصيا في نهاية المسلسل الحبكة السياسية، كسر عجلة الأسر التي تحكم “ويستروس” كما عبرت “دينيرس تارجاريان” في أحد المواسم وعدم اعتبار رأي العامة في اختيار الحاكم بل عقد مجلس من النبلاء يقومون فيما بينهم باختيار الحاكم رغم أن هذه الجزئية تحتاج لعدة معايير حتى يضمن اختيار حاكم جدير،
كما كان من الجيد تعيين “بران” المكسور ملكا على “ويستروس” لأنه مطلع على الماضي والحاضر ويرى المستقبل، إنه أكثر الموجودين حكمة وجدارة.
اقرأ أيضاً:
بحب السيما – ما هو حال الفن والإعلام بشكل عام و السينما بشكل خاص ؟
الفلسفة السياسية – الجزء الأول