خطف أطفال للتسول، تلميذ تقتله معلمة ضربًا، أين مصدر الرعب؟
الأخلاق
أين الأخلاق ؟ وكيف تأتي ؟
لا شك أن العنصر الإنساني هو حجر الأساس فى العملية الأخلاقية، تلك العملية التي تقوم على التفاعل الإنساني بين الفرد ومجتمعه، كما أن الأخلاق هي فعل اختياري لا جبر فيه، يقوم على الغائية التي أقرها عقله وينتهي إليها، فالإنسان كائن عاقل مختار يملك ناصيته بيده، وبتشخيصه ،العقلي لنفسه ولمسعاه نحو الكمال
ينظر إلى صورة انعكاسه فى المرآة متفحصًا هندامه للمرة الأخيرة، يعتدل فى جلسته بعد أن أنهى “الماكير” عمله في صفحات وجهه مبرزًا حكمة تلك السنوات التي حفرت خطوطًا بارزة في ملامحه، يعتدل فى جلسته ناظرًا إلى الكاميرات الموجهة إليه تحت أنظار تلك الإضاءة الساطعة المميزة للإستوديوهات منتظرًا إشارة البدء، التي لم تكد تنطلق حتى استرسل فى مقدمته النارية التي فيها يلقي الضوء على أحداث اليوم،
عصابة اختطاف ترعب مدينة… حيث تقوم بخطف الكبار لتجارة الأعضاء البشرية والأطفال لعمليات التسول، تلميذ يلقى مصرعه على يد معلمه الذي أبرحه ضربًا، مسؤول كبير تم ضبطه وبحوزته أموال مهربة وممنوعات، ضبط شحنة من اللحوم الفاسدة غير الصالحة للاستعمال الآدمي، لينهي تلك المقدمة بذلك الحل الذي يرى في نفسه الراعي الرسمي له بأن الأزمة أن المجتمع أصبح بلا أخلاق، ليثلج بذلك صدره ويؤدي رسالته فى تطهير المجتمع من آثامه معيدًا إياه إلى تلك الأيام التي كان المجتمع فيها أخلاقيًا، كيف؟ أين الأخلاق ؟
كما يروي هو تلك الأيام السعيدة التي كان الناس يستقبلون بعضهم بوجوه بشوشة وتلك التحية المميزة “نهارك سعيد”، تلك الأيام التي لم تخلو من احترام الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير، أين ذهب هذا العصر ؟ لينهي حلقة اليوم وقد أدى رسالته الإعلامية كاملة، ليخرج من الإستوديو وقد استمر بأسلوبه المميز في الحديث حيث يتبع كلماته دومًا بلفظة “حضرتك” أو اعتذاره البسيط اللبق “آسف” أو ذلك الشكر الذي يوجهه لمن حوله على أبسط الأفعال، لا بأس من تجاهل المظالم الواضحة الواقعة على من حوله، فقط هم يحصدون ما زرعته أخلاقهم.
أين الأخلاق في الحديث ؟
لا شك أن هؤلاء الغوغاء ليس فيهم من يعتذر أو يشكر، من يملك تلك القدرة على الحديث اللبق، ذلك التردي الواضح في التعليم إنما هو فقدان المعلم لهيبته لمَّا ذهبت أخلاقه أدراج الرياح، تلك المآساة اليومية التي يعاني منها الطب في مصر لا يمكن إلا أن تكون استكمالًا لتوابع اندثار لفظة “حضرتك” من لغتنا، هكذا أصبحت الخطابات الإعلامية المدججة بالمغالطات المنطقية، حق يراد به باطل، تلك المغالطات التي لا يمكن إلا أن تنتهي بأن تصبح مادة دسمة للسخرية التي توجه سهامها إلى المعاني الحقة التي تم ابتزالها نتيجة ذلك الاختزال الساذج في بعض السلوكيات والآداب العامة.
حتى يكاد الرجل فى معرض كلامه عن الأخلاق يقول بتلك اللهجة المسرحية المميزة له ” أين أخلاق اليوم؟ إنك تجد الضيف يزورك فلا يخلع حذاءه خارجًا بل ربما تجرع مشروبه كاملًا دون أن يترك القليل مراعاة للأخلاق، فحقًا على هذا المجتمع أن يفسد، وعلى تلك الأمة أن تسقط، وعلى تلك الحضارة أن تندثر”، ولا بأس من قليل من الزجر بتلك العينين المتغضنتين المليئتين بالحكمة المموهة، فهكذا هي الأخلاق لديه ولا شيء غيرها، ولكن هل هكذا هي فعلًا؟ وإن لم تكن فهل هي الحل؟.
لا شك أن العنصر الإنساني هو حجر الأساس فى العملية الأخلاقية، تلك العملية التي تقوم على التفاعل الإنساني بين الفرد ومجتمعه، كما أن الأخلاق هي فعل اختياري لا جبر فيه، يقوم على الغائية التي أقرها عقله وينتهي إليها، فالإنسان كائن عاقل مختار يملك ناصيته بيده، وبتشخيصه العقلي لنفسه ولمسعاه نحو الكمال، أدرك أن هذا الكمال لن يتأتى إلا بمصاحبة السلوك لإدراكه لهذا التميز الواضح له على سائر المخلوقات، فعلى الرغم من وجود الحيوانات في مجتمعات يظل المجتمع الإنساني وحده هو القادر على أن يتكامل أو يتسافل باختياره.
أين الفعل الإنساني من الأخلاق ؟
ومن هنا كان لا بد من أن تظهر الأخلاق وأن يصوغ العقل وحده تلك الأخلاق فى الصورة التي تتوافق وغايتها، وتلك الغاية لا تكون إلا نتيجة لفهم حقيقة الإنسان نفسه، لذا نخلص من ذلك أن الأخلاق هي عملية إنسانية تكون بتفاعل الأفراد الإنسانيين بعضهم البعض نتيجة لفهم طبيعة الإنسان وحاجاته ومن ثم فهم غاية وجوده فمن هنا نعرف أين تأتي الأخلاق.
“حال الطبيعة أن الإنسان ذئب للإنسان، وأن الكل في حرب ضد الكل، وأن الحاجة واستشعار القوة يحملان الفرد على الاستئثار بأكثر ما يستطيع الظفر به من خيرات الأرض، وإن أعوزته القوة لجأ إلى الحيلة”. هكذا يرى المفكر (هوبس) الإنسان وحاجاته الأخلاقية فينظر لها فى إطار حيونة الإنسان أو النظر له من خلال طبيعته الحيوانية المتمثلة في بحثه عن إشباع شهواته ورغباته من شهوات مادية كالمأكل والمشرب والتملك، أو شهوات معنوية من الشعور بالقوة والسيطرة، فالإنسان في نظره هو (ذئب) كما يصفه.
وقد استقرأ رؤيته تلك مما هو كائن فيقول: “يشهد بذلك ما نعلمه عن أجدادنا البرابرة وعن المتوحشين، وما نتخذه جميعًا من تدابير الحيطة وأساليب العدوان، وما نراه في علاقات الدول بعضها ببعض”، وأن اجتماعه بغيره ما هو إلا اجتماع الذئب بأقرانه التماسًا لوسائل حفظ البقاء عملًا بأن ذلك أسلم.
استدراك
لذا كانت التنشئة الأخلاقية لديه تدور حول المصلحة وقد رفعت شعار “لا تصنع بالغير ما لا تريد أن يصنع الغير بك”، فأصبح الخلق مطلوبًا لدى “هوبز” لغيره لا لذاته، فالإنسان حينما يكون صادقًا فإنما ذلك سعيًا لئلا يُخدع يومًا ما، ولا يقتل خشية أن تمتد الأيادي له بالقتل.
لا مجال ههنا للالتذاذ بالخلق ذاته، بل إن لذته الحقيقية فيما يدرأ من أخطار وما يتأتى من مكاسب، لذا ربما لو عدنا إلى ذلك الأخلاقي المهندم الصارم الذي يجلس وحده على طاولة الحكم وجدناه يطرب لما سبق من كلمات “هوبز” ونظرته الأخلاقية، التي ترى الاجتماع الإنساني درءًا للمخاطر ليس إلا، لا واجبًا في ذاته، وترى أن الحفاظ على تلك المصالح الفردية الناتجة من تماسك المجموع هي المطلوب الذاتي للأخلاق؛ انطلاقًا مما عرفناه عن علاقات الدول وأحوال أجدادنا البرابرة، دون التعاطي مع طبيعة الإنسان نفسه.
ولكن لما كانت الأخلاق هي مسعى عقلي وجب النظر فيها بالقياس العقلي ابتداءً، دون اللجوء لما هو كائن بالفعل في واقع طاله التشوه والقبح كلما تخلى الإنسان عن عقلانيته وتنازل عن ذلك الجانب الكريم فيه، فالفرد الإنساني يلازمه التميز والاختلاف عن دونه من أقرانه، وهو اختلاف ذاتي لكثرته، وإلا لكان المجتمع الإنساني كله فردًا واحدًا لكي لا يتمايز أفراده بالمكان أو الزمان أو الصفات الجسمانية أو الهيئة النفسانية.
ذلك الاختلاف الذي خلف احتياجًا حقيقيًا للإنسان للاجتماع بغيره سعيًا لتكامل حاجاته النفسية والمادية، ذلك الاجتماع الذي لا بد من أن يتضمنه تفاعلًا بين الفرد وغيره، تفاعلًا غايته التكامل فكان لا بد وأن تحكمه القوانين الأخلاقية فى إطار الكمال والتكامل، وحيث أن الإنسان هو العنصر الأساسي في الأخلاق كما أسلفنا فكانت معرفة الإنسان نفسه لازمة للبناء الأخلاقي، حيث تنقسم النفس الإنسانية لدى الفلسفة إلى قوى ثلاث، هي القوى الناطقة (العاقلة)، القوى الشهوية، والقوى الغضبية.
قوى النفس والأخلاق
فأما القوى العاقلة فخلقها الحكمة، ويكون التحلي بذلك الخلق هو باكتساب المعرفة وإشباع التساؤلات الرئيسية من أين ؟ وفي أين ؟ وإلى أين ؟، وأما القوى الغضبية فخلقها الشجاعة، تلك التي لا تكون تهورًا ناتج عن حماقة وجهل أو جبن ناتج عن حب الشهوات، وأما القوى الشهوية فخلقها العفة، وتكون بأن يعطي الإنسان لجسده حقه دون إفراط فيكون إلى الحيوانات أقرب ولا تفريط فيهلك، وتكون تلك الأخلاق الثلاث تحت مظلة حكم العدالة، فتتجلى فيه الحالة الإنسانية الحقة، التي تسعى للأخلاق تلذذًا بالتشبه بالكمال ذاته، فيكون الفرد أخلاقيًا ولو خسر أمواله أو رضا من حوله، لكيلا يخسر نفسه، فلو خسر نفسه الإنسانية فمن له؟ و أين سيكون مكانه ؟
لذا يا سيدي الفاضل فإن أردت أن يتكامل المجتمع بـ(نهارك سعيد) و(حضرتك) فعليك أن تسمي الأشياء بأسمائها، وأن تقول بملء فيك بأن “خراب مجتمعكم لأنكم مش مؤدبين”؛ لكي يكون للسخرية منك محلها دون أن نمس ما تقوم عليه المجتمعات حقًا، من أخلاق يستطيع فيها الأفراد أن يملكوا أنفسهم، وأن تشتهي فيها نفوسهم الحق دون سواه، فلا يرضى لإنسانيته أن تقتات على جثث غيره، أو تصبر نفسه على ظلم واقع، أو يهفو هواه للحالة البهيمية.
وأن تكون للفضيلة لديه لذة لا تضاهيها حفنة من الأموال أو شهوة زائلة يشبع فيها حيوانيته، لا تلك السلوكيات القشرية من الآداب العامة المتعارف عليها، والكلمات الرنانة الجوفاء، التي تبدو عليها الحكمة وهي الخذلان ذاته لكل المساعي الإنسانية الحقة، فلك أدبك ولنا الحق.
اقرأ أيضا:
يعني اية تربية ؟ ( الجزء الأول ) – ما المقصود بالتربية ؟ وما هو تأثير القدوة ؟
الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.