مقالاتقضايا شبابية - مقالات

عايزة أحقق ذاتي – هل تعلمين ماذا يعني تحقيق الذات ؟

تحقيق الذات والطموح!
مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي انتشر جدل كبير في موضوع عمل المرأة ، أو لنكون أكثر دقة في استخدام الألفاظ لأن دلالاتها مختلفة، عمل المرأة في وظيفة تتقاضى عليها راتب.

واختلفت الآراء بين مرجح لرأي عدم الاحتياج لتلك الوظيفة بل الأولى تركها، ومؤيد بشدة لتوظيف المرأة  ومُسفِّه للطرف الآخر، وفي النقاشات اشتبكت موضوعات مثل تحقيق الذات والطموح وإفساح المجال للرجل ومسئوليات الأسرة والدورة الاجتماعي للمرأة و”كفاية مرمطة وبهدلة” وغيرها من الموضوعات.

قبل أن نحاول فك ذلك الاشتباك، وقبل أن نتحدث عن المرأة، نتحدث عن الإنسان أولا.

النفس الإنسانية تتدرك وتتعلم وكذلك تتحرك، ولتتمكن من ذلك فقد أمدَّها الله عز وجل بقوى مدركة وقوى محركة.

القوى المدركة كالحواس الخمسة وكالعقل والذاكرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما القوى المحرِّكة فهي: الشهوة وهي قوة هدفها جلب المنافع لجسم الإنسان فاشتهاؤنا للطعام مثلا هو ما يدفعنا لتناول الأكل، ولولا ذلك الاشتهاء ما أقدمنا على الطعام فتهلك أجسامنا.

والغضب وبه يدفع الإنسان الضرر عن نفسه كأن تحاول حماية نفسك إذا ما رفع أحدُهم كرسيا وحاول ضربك به.

والعقل أو الضمير.

الشهوة والغضب قوتان غير مبصرتان، بمعنى أنهما لا تستطيعان التفريق بين الصواب والخطأ، فمثلا قد تُعجبك رائحة دجاجة مشوية وتشتهيها، ثم لا يتأثر اشتهاؤك لها إذا علمت أنها مسروقة أو مسمومة، نعم لا تقدم على أكلها لكن لا يزال لعابك يسيل إعجابا برائحتها الزكية.

والغضب أيضا قد يدفعك لأن تتجاوز وتظلم غيرك وربما قتلته في لحظة غضب!

الذي يوقف الإنسان عن تناول الدجاجة المسروقة أو المسمومة ويتحكم في شهوته فلا تحركه إليها هو العقل والضمير، والذي يتحكم في غضب الإنسان فلا يسمح له بالتجاوز وظلم الغير هو العقل والضمير أيضا.

بالتالي العقل هو القائد الذي -عليه أن-  يمسك بلجام هاتين القوتين ولا يسمح لهما بأذية الإنسان نفسه وضرره، وهو مصدر النور لهما كي يبصرا ويعرفا أين بالضبط يجب أن يكونا.

والإنسان رجلا كان أو امرأة، في أي سلوك يقوم به في حياته تُحركه فيه إحدى هذه القوى المحركة أو أكثر من واحدة معا، بمعنى أنه في تصرف معين قد تحركه الشهوة؛ شهوة الطعام مثلا فيتحرك نحو الأكل، أو شهوة الراحة فينام أو يرتاح أو يحركه حب الظهور فيستعرض ما يعتقد أنَّ به يتوجه إليه الناس.

وقد يحركه الغضب فيسعى لدفع ضرر ما عن نفسه أو أكبر من ذلك قهر غيره أو بسط نفوذه وسيطرته.

وقد يحركه عقله فيسعى في سبيل مبدأ صحيح وغاية سليمة وقيمة نبيلة، وقد يتحكم عقله في غضبه ويوظفه فيغضب لقيمة حق ويدافع عن العدل وربما ضحى بحياته في سبيل تلك الغاية، ويتحكم عقله في شهواته فيضعها في مواضعها الصحيحة بل ويربط إشباعها بغايات كبرى نبيلة كأن يهتم بطعامه ونوعيته ليحافظ على صحته التي يحتاجها ليتمكن من آداء التكاليف التي يفترضها عليه عقله في سبيل خدمة تلك الغايات والمبادئ.

والعمل هو جزء من السلوك الإنساني، قد يكون دافع الإنسان فيه أن يحقق أكبر قدر يستطيعه من الرفاهية والترف والثراء ويشبع شهواته المادية لأقصى درجة يستطيعها، ويتمكن من متابعة صيحات الموضة المتجددة باستمرار سواء في الملابس أو أنواع السيارات أو شكل المعمار وأحدث المطاعم والمهرجانات وغيرها.

وقد يحركه فيه رغبة في الحصول على مكانة اجتماعية معينة وصرف أنظار الناس إليه.

وقد يدفعه فيه رغبة في بسط نفوذه وسيطرته على من حوله وقهرهم.

وقد تشترك تلك الدوافع مع بعضها فيرغب في المكانة الاجتماعية وبسط النفوذ والسيطرة.

وقد تحركه دوافع عقلية مثل خدمة الناس في مجتمعه أو تأدية دوره في تحقيق العدل، وقد يتحكم العقل في الشهوة فيضعها في موضعها المناسب فيكون دافعه للعمل إشباع احتياجاته المادية بالحد الذي يكفيه- والإنسان يكفيه في الحقيقة القليل- والإنفاق على أسرته لإشباع احتياجاتهم المادية أيضا آداء لجزء من دوره تجاه أسرته، بالتأكيد الدور الأكبر هو الدور التربوي الذي يتعامل مع نفوس وعقول صغاره ليس فقط أجسادهم .

وقد تشترك دوافع عقلية مع دوافع شهوية وغضبية.

ماذا يعني تحقيق الذات؟

يخبرك أحدهم أن دافعه للعمل هو رغبته في تحقيق ذاته، فماذا يعني تحقيق الذات؟

يمكننا أن نعرِّف تحقيق الذات بأنه تحقيق الغاية من الوجود، والوصول لأفضل صورة ممكنة لتلك الذات أو الوصول لكمالها وسعادتها.

والذات التي نتحدث عنها هي الذات الإنسانية، التي ميزها الله عن غيرها -في عالمنا هذا- بالعقل وشرفها به.

وبما أن غاية وجود الشيء تظهر في ما يميزه- فمثلا اخترع الإنسان السكاكين لتقطيع الأشياء المختلفة لكنه اخترع سكينا ناحيته الحادة “مشرشرة” ليس فقط لتقطيع الأشياء لكن لجعلها”مشرشرة” وإلا فإن ما أكثر السكاكين التي تقوم بالقطع- فإن غاية وجود الذات الإنسانية على الحقيقة هي في وصول عقلها لأكمل صورة ممكنة لأنه ما يميزها عن غيرها.

وأكمل صورة ممكنة للعقل الإنساني هي أن يعرف ذلك العقل الحق ويعتقده ويكون محرك الإنسان في أفعاله هو الخير والحق ويضع شهوته وغضبه في مكانهما الصحيح.

هذا هو تحقيق الذات الحقيقي.

وبالتالي تحقيق الذات غير مرتبط بالعمل الذي يتقاضى عليه الإنسان راتب، لكن من الممكن أن يكون هذا العمل أحد سبل تحقيق الذات إذا كان دافع الإنسان فيه دافع عقلي يخدم به قيمة وغاية نبيلة.

كيف تحقق المرأة ذاتها إذن؟

تلك المعاني لا ترتبط بجنس معين، ذكور أو إناث، فكلاهما إنسان ميزه الله بعقل قادر على اكتساب المعارف والعلوم وضمير يتحرك نحو الفضائل والقيم، وكلاهما ذاته تتحقق فعلا بمعرفة الحق وعمل الخير! لا فرق.

لكن كما أن الرجل والمرأة اشتركا في كونهما إنسانا، توجد بينهما بعض الاختلافات الفسيولوجية أو الجسدية والنفسية، وتلك الاختلافات لابد من احترامها والتعاطي معها خاصة في تحديد عمل الخير المطلوب من كليهما.

ولأن حديثنا عن المرأة الآن، فنبحث في عمل الخير الذي تقوم به المرأة.

بشكل عام مسئوليات المرأة يمكن جمعها في ثلاثة أقسام:

1- أمور خاصة بها وبارتقائها المعنوي والعقلي والأخلاقي كتحصيل العلم والسعي في اكتساب الأخلاق الفاضلة وتهذيب النفس.

2- مسئوليات خاصة بأسرتها متمثلة في كونها زوجة وأم.

3- دور اجتماعي تؤديه، هذا الدور قد تتقاضى عليه راتب أو تعمل بشكل تطوعي دون مقابل مادي.

وفي كل قسم من هذه الأقسام توجهها نحو الحق والخير.

أما الارتقاء الروحي والمعنوي فواجب كل إنسان وسبيل وصوله للتكامل.

والدور الاجتماعي واجب كل إنسان أيضا؛ فقد اقتضت طبيعته أن يحيا في مجتمعات يساعد غيره ويساعدونه على تلبية احتياجاتهم المختلفة وترقيهم.

وللمرأة دورها المهم في المجتمع طالما لديها ما تخدم به وتساعد به وتقدمه كما الرجل، والمجتمع يحتاج لدورها فهي تمثل أكثر من نصفه في بعض الأحيان! وكلما زاد وعيها زادت مسئوليتها وكلما انحرف المجتمع عن الطريق المستقيم زادت مسئولية عقلائه رجال ونساء لرده للحق والفضيلة

هذا الدور الاجتماعي لا يشترط أن يكون وظيفة تتقاضى عليها راتب، نعم، قد يكون كذلك. لكنه ليس قاصر على هذا النوع، والنماذج كثيرة على النساء اللاتي قدمن إسهامات عظيمة لمجتمعاتهن لا من خلال وظائف تقليدية برواتب.

ولأنه واجب يحتمه العقل فهو أيضا إذا ما كان توجه الإنسان فيه للخير يكون جزء من الارتقاء الروحي والمعنوي.

أما القسم الثالث الخاص بكونها زوجة وأم، فهو القسم الخاص بها والذي أهلها لتأديته هو كونها إنسانة أنثى، ولا يمكن لسواها القيام به، ولا يخفى خطورة وأهمية هذا الدور الذي تشرف من خلاله على إخراج أفراد جديدة للمجتمع بإمكانهم إما إصلاحه أو إفساده، تدمير العالم أو إنقاذه!

وأيضا إذا كان توجه المرأة في أدائها لهذا الدور العظيم هو الحق والخير فيكون من سبل الارتقاء المعنوي.

ولأن هذا القسم لا يمكن لغير المرأة القيام به، فأصبح من أوجب الواجبات عليها وأولى الأولويات في حياتها لأنها إذا قصرت فيه لن يكون هناك من يسد هذا النقص والتقصير، لذلك لابد أن يكون على رأس أولوياتها.

وهي في كل حياتها تتوجه في كل سلوك نحو الأفضل ونحو الحق، فتكون حياتها كلها رحلة للارتقاء والتكامل.

هكذا تحقق المرأة ذاتها، إذا حققت الغاية من وجودها فكانت حياتها رحلة تكاملية تستزيد فيها وتتوجه نحو الأفضل، وتؤدي فيها مسئولياتها وعلى رأسها مسئوليتها تجاه أسرتها ثم مسئوليتها تجاه مجتمعها وهي في كل وقت مدركة لخطورة دورها في الأسرة وأولويته.

هكذا تتحقق الذات في الواقع.

 

اقرأ أيضاً:

سر الخلطة: لماذا يتقدم المجتمع الغربي ؟

الغربة وآلامها – ماذا يدور في ذهن المغتربين ؟

أيها المسافر: هل فكرت جيداً في قرارك ؟

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية