مقالاتأسرة وطفل - مقالات

ربتوني كويس ليه؟ زرع القيم وحصاد السلوك

“ربتوني كويس ليه؟”

جملة يرددها البعض من الأبناء لوالديهم؛ يلومونهم على زرع القيم والأخلاق الطاهرة فيهم منذ الصغر، فهم الآن في ريعان شبابهم وقد بدأ اختلاطهم بالمجتمع و البشر ، ومن ثم بدأت معاناتهم! فهم يعانون كثيراً فى التعامل مع البشر حولهم بسبب افتقار الكثير من البشر للقيم الإنسانية والضمير اليقظ والمبادئ السليمة التي نشأوا عليها.

لا شك سبب اللوم، هو ظنهم أن الحل يكمن في التخلي عن هذا كله وممارسة الألاعيب الشيطانية و”الفهلوة” لتجنب المعاناة، ولتحقيق مكاسب أكثر، وللتكيف مع المجتمع ومجاراته وتجنب “وجع الدماغ” و “المثالية الفارغة” على حد وصفهم!

حسناً إنها الحرب إذاً، وها هي قد وصلت إلى عقر دارنا وبدأت في أرجحة سقوفها وبلبلة قواعدها.

انقلبت الآية وأصبح الصلاح موضع اللوم والخطأ، والفساد مسعى ومبصر ومطمع معظم البشر!

فبعد أن كان سابقاً يشار إلى المخطئ بالبنان باستنكار فيستتر هو وخطيئته وأعوانه حتى لا يراهم أحد، بات الأمر معكوساً وأصبح حامل القيم هو المذنب وسبب المعاناة والعرقلة، ومُتهماً بالجمودية وافتقاره للمرونة والواقعية وموضعاً للسخرية!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا تعتبر مشكلة؟

لأن الأصل في فطرة الإنسان هو الخير، والقيم الحميدة وصحوة الضمير هما من أصول الخيرات التي تخدم الحق وتحفظ المصلحة العامة وليس الخاصة فقط، فإن تم التفريط فيهم بل وتم استبدالهم بنظائرهم الفاسدة المضادة للفطرة والمضادة لأوليات العقل؛ ستتحول حياتنا إلى غابة ينهش فيها القوي الضعيف، وستضيع القواعد المشتركة التي تجمعنا وستعلو المصلحة الخاصة على العامة، أي ببساطة ستفسد الحياة، وهو ما نرى صوره بوضوح في هذا الزمان.

عندما تضيع القيم يضيع المعنى ويسود الظلام وتستوحش النفوس ويمتص خيرها فتذبل وتموت.

عندما يموت الضمير يغدو الإنسان أشرس من أشرس حيوان على وجه الأرض، لأنه سيوجه كل ما يمتاز به من قدرات ومهارات وسمات خاصة في محاولة لإحياء الشر، ومن ثم هلاكه وهلاك غيره.

لماذا قد يعادي الإنسان فطرته ويتخلى عن القيم والضمير؟

ببساطة لأن حملهم ليس بالأمر اليسير، بل إنه من أثقل ما قد يحمله الإنسان على الأرض، فهو يحتاج إلى قوة حقيقية ليغلب شهوات ونزوات نفسه أولاً، ثم مطامع ورذائل غيره ممن اختاروا أن يغلبوا جانبهم السيئ على الخيّر؛ فلكل إنسان استعداد ليكون في أعلى مراتب الخير وكذلك في أعلى مراتب الشر، وتتحدد مرتبته وفق اختياره وعلى قدر اجتهاده.

ولأن طريق الخير هو الأطهر، فاقتضت مكانته أن يكون محفوفاً بشتى أنواع الصعوبات، ليس تنفيراً منه ولكن ضرورة حتى تتخلص النفس من نوازع استعدادها للشر، ولأن النفس لا تتخلص من تلك النوازع بسهولة، فلا بد أن تكون الصعوبات قوية لتقتلعها من جذورها كما تقتلع المنظفات البقع السوداء من الملابس وكما ينجلي الصدأ من الحديد، لذلك لا يطيقه الكثيرون.

مهمة أطهر الخلق

لم تكن مهمة الأنبياء والرسل بناء الناطحات، ولا تطور الأدوات، ولا زيادة الأموال والبنون، وإنما كانت مهمتهم الأولى هي نداء لتلك القيم والفضائل وإحياء للعقول والضمائر، ثم قد تأتي الأدوات والأموال وغيرها كوسائل خدمية لا أهداف.

إنها ليست بالمهمة السهلة، فلو كانت كذلك لما أرسل الله أطهر الخلق ليكونوا أهلاً لها، فلا تستعجب المعاناة التي قد تواجهها إن كنت تشارك في حمل هذه المهمة.

فيا أيها المربي، لا تتردد لحظة في أن تزرعها في أطفالك، ولا تخف عليهم من المعاناة؛ فما أشرفها معاناة في سبيل نشر القيم وصحوة الضمير.

ويا أيها القارئ لا تندم أبداً على مال خسرته، أو صديق قاطعته، أو عمل فقدته إن كانوا في سبيل تمسكك بالقيم أو طاعة لضميرك الذي يرفض الظلم ويقاوم الفساد.

إنما يهون كل شيء أمام القيم الفاضلة والمبادئ السليمة والضمير اليقظ.

ولا شرف أفضل من أن ينال الإنسان في حياته فرصة حملهم وحفظه لهم.

فالمعاناة مهما علت ستنتهي، وسيبقى المعنى من ورائها.

اقرأ ايضاً:

الحياد عن الفطرة “لا تخربن حدائقكن” .. المرأة والمجتمع

الخديوي إسماعيل .. الرجل الذي استطاع التسويق لنفسه

اللعب على الطريقة الأمريكية! الأيادي الخفية واللعبة الدنيئة

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة