إصداراتمقالات

دولة العدل (2): التشريع

شرحنا في السرد السابق المكونات الأساسية للاجتماع الناجح فيستلزم بعد الاجتماع وجود النظام والمنظم وجهاز الثواب والعقاب. فالنظام هو المنهج التنظيمي. فالحاسوب له منهج تنظيمي ينظم عمليته وحساباته (ويندوز، لينكس، ماكنتوش،…إلخ) وله منطق يبنى عليه النظام (منطق رياضي أو رمزي) وله لغات برمجة عديدة. وحينما نختار النظام للحاسوب الجديد نحاول أن نختار أفضل ما هو متاح. فلا نفكر في الأجمل لونا أو الأحدث ابتكارا كموضة بالضرورة في كل الحالات بل نسأل الخبير الذي يفند لنا عيوب ومميزات الأنظمة المتاحة ثم يساعدنا في الربط بين النظام الذي نختاره مع إمكانيات الجهاز واحتياجات الاستخدام. فنختار الأنسب أو النظام الأصلح اعتمادا بالكلية على نصيحة الخبير أو الصانع.

فالخبير (العالم) أو الصانع (الخالق) هو المنظم (المشرع) للجهاز (المجتمع)، فهو من يساعدنا (يأمرنا وينهانا) كلما وجدنا مشكلة في التشغيل. ونحن نتقبل هذا التوجيه والنصح والأمر والنهي بكل سرور حتى -ونتيجة لجهلنا- إن لم نفهم غاية وسبب كل أمر من تلك التكاليف أو الأوامر.

وبنفس المنطق إن جاز التشبيه فالمجتمع يجب أن يختار نظاما ينتظم به. وهو ليس خبيرا أو عالما بما يكفي ليختار النظام الأصلح. فيجب أن يستعين بالصانع. فلما استحال الاتصال بالصانع بصورة مباشرة فإن الصانع بعلمه ورحمته ورعايته أرسل كتالوجات التنظيم لكي تساعدنا على الاختيار. ولما كان هناك تفاوت في المجتمع في الأخلاق والعلم والقدرة على الشرح والتفصيل كانت الأولوية في تلقى تلك الكاتالوجات وتفسيرها وشرحها للناس الخبير أو العالم أو بالأصح الأعلم والأكثر خلقا (لتحقق الأمانة في التبليغ والقبول) في الناس. فكانوا هم المصطفين والمختارين من الرسل. “قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد”. فهم بشر مثلنا في الجسد والخلقة لكنهم الأكثر تميزا بيننا فهما وعلما وعملا بالأخلاق والقيم والتنظيمات. كما أن مهندس الحاسوب أكثر منا تمرنا وتمرسا بلغات البرمجة. والاختيار ليس ظلما بل هو استعداد داخلي وتوفيق في الظروف الخارجية التي شكلت هذا الشخص على تلك الحالة رحمة بالناس ليعلمهم أمور حياتهم وأخراهم.

هذا الأعلم فسر لنا المنهج أو الكتالوج بصورة ما وبأسلوب علمي معين كمساعدة لنا في حال غيابه وقبل أن يرحل أعطانا بعض التحذيرات والدروس التي هي بمثابة التنبيهات على الأخطار والمشاكل التي من الممكن أن نواجهه وكيفية التعامل معها. فإذا بنا بعد أن يرحلوا رسول من بعد رسول ونبي من بعد نبي يأتي البعض من الهواة في الوجود الإنساني الذين حصلوا بعض العلم وليس كله ليقولوا دعكم من هذه التعاليم البالية وتعالوا لما لدي فإن ما لدي أفضل!! وإذا سألته عن المنطق قال بمنطق مغلوط مجتزأ منقوص أما النظام فارتجالي غير مكتمل به العيوب والنواقص ولكنه يدعي أننا مع الوقت والتجربة سنتعلم. وإذا سألناه عن أسلوبه العلمي قال التجربة والخطأ. وعن تقديره للخسائر والمكاسب فيتجاهل الموضوع ويتخذه هزوا ولعبا.

هل من المفروض أن أسلم جهازي (عقلي) الذي منحنيه الله الذي خلقني فسواني وأحسن خلقتي وتربيتي وتغذيتي وأعطاني من الأنظمة أفضلها ومن المهندسين أكملهم ليعلمني وينظم لي حياتي، هل بعد كل هذه النعم أسلم عقلي لهذا الخرف والتجربة العشوائية التي لا تأتي بعلم إلا بناءً على نتيجة التي تحدث منها. نتيجة لا تتحقق إلا بعد التضحية بالعمر والجهد لأفاجأ في النهاية بأنها كانت فاشلة لافتراض خاطئ هنا أو نسيان هناك. لو لم يكن عندي بديل أفضل لقبلت لكن لدينا بالفعل ما هو أفضل بمرات ومرات!!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.