جون كيو(John Q) مجرم خطير أم أب بطل؟
رحلة جون كيو!
“منذ اللحظة ستخضع هذه المستشفى لإدارة جديدة تعمل على تقديم رعاية صحية مجانية لجميع مرضاها”.
عبارة طاف رنينها أرجاء إحدى المستشفيات لتصل آذان المرضى ومُرافِقِيهم بنبرة صوت تُحاول ادِّعاء القوة والثبات، ولكنها تخفي في طياتها خليطًا من مشاعر الحزن والضعف والارتباك.
يقف القائل بشخصِه أمامهم، يرمُقونَه بأنظارهم، يحدقون به في خشوع بعيون شاخصة قد سَهَتْ واتسعت حدقاتها؛ من هول ما أصابهم من دهشة جراء ما سمعوه، ربما تناثرت تلك الكلمات على المسامع هباءً بدون أيِّ صدى من الوهلة الأولى، فهم في حاجة إلى أن تَطْرِب بها طبول آذانهم من جديد، وحتماً سيكون إدراكهم لهذه الكلمات في المرة الثانية أكثر وضوحًا و وَقْعُها عليهم أشد تأثير.
والآن حدثني عن العيون الغائرة التي رافقها الأرق طويلاً وقد سالت دُمُوعها أنهارًا من فَرْطِ السعادة، حدثني عن تلك الخَواطِر المَجبورِ كَسرُها والمَبروءِ جَرحُها، حدثني عن دقات قلب يائسة رجعت تنبض بالحياة من جديد، حدثني عن الأصوات التي عادت تلتقط أنفاسها بعدما اعتصرها ألم العجز ومرار قلة الحيلة، قد رفعت أكفة الشكر والثناء تضرعًا لله – سبحانه وتعالى- تحمده أن منَّ عليهم بمبعوث يسوق إليهم شيئًا يسيرًا من فضائل رحمته وعنايته بهم. حدثني عن تلك الثغور التي قد أشرقت بالابتسام والنفوس التي أضحت تلمح بزوغ الأمل في شفاء الحبيب الغالي والسند المعين بعد يأس داهمها طويلاً من خوف الفراق و انتظار موجع في ضيافة وحشة الرحيل.
ولا تنسى إخباري عن موج الأفكار المتلاطم الدائر في عقول المستمعين والتي لن تخلو أبدًا من تُهم التشكيك في مدى صحة ما سمعوه توًا بسبب كثرة ما نالوه في السابق من وعود خادعة وأكاذيب بين، فمن القائل؟ وما صلاحياته؟ أهو مدير المستشفى أو أحد المسؤولين الذين يمتلكون حق التقرير والتشريع؟ هل فهموا مقصده بشكل صحيح؟ هل يعي حقاً اتخاده لمثل هذا القرار؟ إذن، متى يتم تفعيله؟ وما هي الإجراءات اللازم اتخاذها لتطبيقه؟ أم أنها مجرد كذبة جديدة لا أكثر؟
لكن مهلًا يلزمهم فقط نظرة أخرى سريعة ليتبدد عنهم طيف أحلامهم الجميل ويتهدّم صرح أمانيهم السعيد، ويختفي سراب آمالُهم المُشرق في لحظة. فصاحب المقولة الحالمة في بداية المقال رجل مسلح قد أشهر مسدسه مهددًا المرضى والأطباء بلزوم أماكنهم بعدما احتجز عددًا منهم كرهائن في قسم الطوارئ بمستشفى “الأمل التذكارية” فمن هذا الرجل؟ وما هي قصته؟
جون كيو “دنزل واشنطن” عامل بسيط في أحد المصانع بدوام جزئي، يعيش حياة سعيدة مع زوجته دنيس “كيمبرلي إليز” وابنه مايكل “دانيال سميث” ويبحث عن عمل إضافي من أجل مواكبة أعباء الحياة المادية التي لا تنتهي، وفي أحد الأيام يسقط “مايكل” فاقدًا للوعي في أثناء لعب مباراة بيسبول، فيأخذه جون سريعًا إلى المستشفى، وهناك يخبره رئيس قسم القلب بالمستشفى الدكتور ترنر”جيمس وودز” بأن “مايكل” يعاني من تضخم في عضلة القلب، والحل الوحيد لإنقاذه هو زراعة قلب جديد في أسرع وقت ممكن، وتتوالى الأزمات حيث يكتشف ” جون ” أن تأمينه الصحي لا يكفي لتغطية تكاليف هذه العملية باهظة الثمن التي تتجاوز 250 ألف دولار لذلك يقرر الأبوان إجراء العملية لابنهم نقدًا على نفقتهم الخاصة.
وحتى تسجل مديرة المستشفى ريبيكا بين “آن هاش” اسم “مايكل “على قائمة المتبرع إليهم، لابد من سداد حوالي 30% من المبلغ الإجمالي للعملية أولاً؛ ليحاول كلا الأبوين فعل المستحيل من أجل إنقاذ حياة الابن الوحيد وتحضير المبلغ المطلوب سداده إلا أنهما لا يستطيعان تحصيل هذا المبلغ بعد جهد كبير ومحاولات عديدة، كما تُصاب “دينيس” بالذعر من تهديد دكتور “ترنر” بإخراج “مايكل” من المستشفى لعدم قدرتهم على سداد نفقات علاجه.
للأسف يُقرر ” جون ” أن يسلك طريقًا خاطئًا من أجل إجبار مديرة المستشفى “ربيكا” والطبيب “ترنر” على وضع اسم “مايكل” في قائمة المتبرع إليهم بعدما تقطعت به السبل عن طريق احتجاز عدد من المرضى والعاملين بالمستشفى كرهائن ظالمًا نفسه وغيره من الأشخاص الذين لا ذنب لهم.
تدور الأحداث السابقة في سياق الفيلم الأمريكي الدرامي جون كيو(John Q) الذي تم إنتاجه عام 2002 للمخرج “نيك كاسافيتس” والكاتب “جيمس كيرنس”، والمُشارك في بطولته عدد من الممثلين، منهم دنزل واشنطن، روبرت دوفال، آن هاش، كيمبرلي إليز، جيمس وودز، و دانيال سميث. حقق الفيلم إجمالي إيرادات بلغ حوالي 36 مليون دولار أمريكي، كما وصل تقييمه بقاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت لـ 7,1/ 10.
ختامًا من العدل أن يطالب ” جون ” بحق “مايكل” في العلاج كحق ثابت مطلق مكفول لبني البشر جميعهم كأحد احتياجاتهم الأساسية التي لا غنى عنها في حفظ سلامة أبدانهم ومنحها الحق في الحياة سواء امتلك المال أو السلطة أو مكانة اجتماعية ما أم لم يمتلكهم، لكن خوضه مسارًا خاطئًا كوسيلة للمطالبة بحقه وحق ابنه أدى إلى ظلم وإرهاب غيره من المرضى والأطباء والعاملين بالمستشفى الذين لا ذنب لهم عن طريق احتجازهم وإن لم يتسبب في إيذاء أحد منهم فيما بعد، فاستحق العقاب والسجن على ذنبه ولكن من الظلم تحميل الخطأ على عاتق ” جون ” بمفرده وإنما يتحمله معه آخرين أمثال مديرة المستشفى “ريبيكا” والطبيب “ترنر” والإعلامي “تاك لامبلي”- الذي لجأ إليه ” جون ” طلباً للمساعدة في إيصال قضيته لكبارالمسؤولين في الدولة – وغيرهم من النخب والجهات المعنية الذين تقاعصوا عن آداء مهامهم وتحمل مسوؤلياتهم منذ البداية، فهؤلاء جميعًا مذنبون يستحقون المحاسبة و الخضوع للعقوبة أيضًا.
اقرأ أيضا :
كيف تتهذب النفس البشرية