مقالاتفن وأدب - مقالات

هل تتوقع وجود فرق ما بين فيلم “تيتانك” ومسلسل “الأسطورة”؟

هل يمكن أن تتعاطف مع قاتل ظالم؟ يقتل فيمن يقتل زوج أخته فتترمل؟ ويخدع إحدى زوجاته فلا تعرف شيئًا عن حقيقته؟ ويشتري زوجة رجل آخر بملايين الجنيهات يتاجر بالسلاح ويتهرب من العدالة؟

وهل تقبل القتل ظلمًا بشكل عام؟ أو بناء الزواج على الكذب والخداع؟ أو أيًا من النقاط السابقة؟

ربما تجيب بـ”لا”؛ لكن في الواقع فقد تعاطف ملايين الأشخاص معه برغم كل ما سبق، وحزن الكثيرون عندما لاقى مصيره العادل في نهاية المسلسل الشهير. بل اتخذه البعض قدوة ومثلًا أعلى، وتشبهوا به وبهيئته؛ فنجد زوجين يُعاقبان جارًا لهما بنفس الطريقة التي عاقب بها أحد جيرانه في المسلسل، كما يسعى المراهقون والأطفال لتقليده.

فكيف حدث ذلك؟

تيتانيك والصورة الجزئية

في المشهد الختامي من فيلم ” تيتانيك ” تنصرف قلوب المشاهدين بالكامل لـ “جاك” و”روز” ومأساتهما، ويذرف البعض الدموع حزنًا وتأثرًا، حيث كانت قصتهما هي التي يتم التركيز عليها طوال الفيلم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي نفس المشهد يموت الآلاف من الركاب والعاملين على نفس السفينة بسبب الإهمال والغطرسة، هل هذا عدل؟ وبخاصة الفقراء منهم، حيث تم تخصيص قوارب الإنقاذ للأغنياء فقط في ظلم واضح للبقية. وبالرغم من أن ذلك أمر كاف لغضب الكثيرين بشدة؛ إلا أن غرق “جاك” و”روز” كان أكثر جاذبية للاهتمام من غيرهما، كما يشير لذلك “منشور” ذكي على موقع “فيس بوك”.

 وبالتأكيد قد لا توجد مشكلة في التعاطف مع شخصين تعرف عنهما الكثير وتعلقت بهما بشكل أو بآخر، وليس هدف الفيلم الأساسي الإشارة للظلم المذكور، كما أن التركيز على مأساة البطلين يُبرز في النهاية مأساة السفينة ككل. لكن هذا المثال يُلقي الضوء على قدرة الفن والمؤثرات الخيالية والعاطفية على تركيز انتباه الإنسان لنقاط معينة دون غيرها .

هل هناك شبه بين الأرنب المغرور والشعب المنتفض

الأرنب المغرور ينام أثناء السباق مستهينًا بخصمه البطيء، تُصِر السلحفاة على الاستمرار بكل ما في وسعها، تحقق ما قد يعتبره البعض مستحيلًا! تفوز على الأرنب بسبب عزمها وإرادتها وتواضعها وعملها الجاد وعدم يأسها.

وهل هو الشعب ينتفض في وجه المحتل كما يروي تاريخنا، فيشن حرب الاستنزاف الباسلة، وتكثر القصص عن الفدائيين والشهداء، ويختمها بعبور معجز للقناة، لتلحق بقصص أخرى عن أبطال عظام على مر التاريخ وقفوا في وجه الظلم وطلبوا العدل.

الفن وقوة التأثير عن طريق الخيال والمشاعر

الإنسان المتأثر بمشهد أو قصة يحركان الخيال ، والواقع تحت سطوة العاطفة؛ قد يقبل أمورًا يرفضها عقله تمامًا إذا تروى وتأمل فيها، أو يرفض أمورًا يقبلها عقله دون تردد. فيتمنى مثلًا نجاة سارق البنك دون حق من العدالة، ويتعاطف مع المجرم الظالم عديم الرحمة، ويرى الشخص المجتهد مثيرًا للشفقة والاشمئزاز، وهكذا.

أيضًا قد ينصرف انتباهه إلى جزئية معينة دون غيرها كما سبق، أو يغفل عن الصورة الكلية. وهنا تكمن خطورة الفن والقصص التي تخاطب الخيال وتُحرك العواطف وتتخطى العقل وتتجاوزه.

لكن ربما نتذكر أيضًا قصصًا كقصص الأرنب والسلحفاة ومقاومة المحتل وغيرها من القصص التي تَربَّينا عليها في طفولتنا، وتحمل الكثير من الرسائل الإيجابية التي لا زالت عالقة في أذهاننا، حيث يعتبر استخدام القصص في التربية من الأمور شديدة التأثير في النفوس؛ إذ تدفعها للقيام بأعمال تُحَاكي ما يقوم به أبطال هذه القصص، وهنا يبرز جانب آخر من جوانب تأثير الفن.

ولذلك استخدم المُربُّون والمصلحون القصص على مر التاريخ، سواء خيالية أو حقيقية، في تهذيبهم وتربيتهم لنفوس الصغار أو الكبار! لتحريك الخيال لدى المستمعين، وجذب قلوبهم ونفوسهم، ودفعهم إلى الميل للقيام بأعمال فيها صلاحهم. كما يستخدمها أيضًا الأشخاص الأكثر تأثيرًا لتحريك من حولهم.

فالفن يمكن أن يقوم بدور عظيم، حيث يمكن أن يُحرِّك النفوس الإنسانية نحو الجمال الحقيقي، كجمال العدل والحق، ويحذرها من الجمال الظاهري الزائف، كجمال “البلطجة” و”التحلل الأخلاقي”. هل يستطيع الفن إن وُضع في الأيدي المناسبة؛ أن يساعد في سمو المجتمع ورقيه. وهذا يكون باسترشاد الفن -أثناء مخاطبته للخيال وتحريكه للمشاعر- بالعقل، وبما أثبت العقل جماله الحقيقي.

هل يمكن أن يتحقق ذلك؟

يتحقق بأن يكون الأشخاص الأكثر تأثيرًا في المجتمع –وهم المُسمون بالنخب-؛ من أهل العقل والفضيلة، ومن أهل الجمال الحقيقي.

وليسوا من أهل الزيف والشهوات والمادة فقط، ممن يهدفون إلى مراكمة الأرباح بأي ثمن؛ وإن كان تشويه ذوق المجتمع وأخلاقه وقيمه.

وبناء مثل هذه النخب العاقلة والفاضلة، وفوزهم بقبول المجتمع لهم؛ لا يكون إلا بالتعليم والتربية، ونشر الوعي الحقيقي في المجتمع.

اقرأ أيضاً:

الكوميديا ودورها في الغزو الثقافي

الفن والجمال

بحب السيما

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

أحمد عزت

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا