مقالات

الخديوي إسماعيل – الرجل الذي استطاع التسويق لنفسه

التسويق بين الماضي والحاضر

في زمننا الحالي صار الاعتماد الأكبر على التسويق في الوصول للنتائج المطلوبة سواء في بيع سلع معينة أو التسويق لفكر معين او حتى التسويق لأشخاص ينتظر منهم نتائج أو هم أنفسهم يسعون للتسويق لأنفسهم ومهاراتهم للتأثير بشكل ما في المجتمع المحيط بهم ولإظهار إنجازاتهم،

ونظرا للتقدم المادي الذي وصلنا إليه بتنا نستخدم أساليب مختلفة في هذه المهمة ولكن أهمها هى مواقع التواصل الاجتماعي لقدرتها الكاسحة في الوصول لأكبر عدد ممكن من المستهدفين.

في الماضي أيضا كان هناك حاجة للتسويق لكن حسب إمكانياتهم في هذا الوقت والموارد المتوفرة لديهم. وربما يعد أكثر من استطاع التسويق لنفسه وإنجازاته لفترة تجاوزت حتى تاريخها إلى عصرنا الحالي هو الخديو إسماعيل وهو من سيكون محور مقالنا هذا.

محمد علي باشا وأبنائه

رحل محمد علي باشا الكبير عن عالمنا تاركا لنا ثروة عظيمة من مصانع ورقعة زراعية زادت أضعافا بعد إهمال العثمانيين لها، والأكثر من ذلك ترك لنا خبراء وعلماء وباحثين مصريين تعلموا في بلاد متقدمة يستطيعون تتطوير ما بدأه محمد علي وخلق أضعاف الفرص منه.

لكن مشروع علي الكبير توقف بوقوف دول العالم الاستعماري أمام طموحات محمد علي واغتيال حلمه طبعا بمعاونة الدولة العثمانية التي استعانت بانجلترا وفرنسا للقضاء على نفوذ محمد علي، وجاء بعد محمد علي ابنه عباس الأول الذي كان يكن عداء شديدا للفرنسيين على عكس جده الذي استعان بالخبراء الفرنسيين في تطوير المصانع والزراعة والجيش نفسه،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ورغم أخلاقه الصعبة وقسوته مع تابعيه، إلا أن أكبر ميزاته أنه لم يفتح الأبواب لتدخلات الأجانب في مصر ولم يعطهم الامتيازات التي أعطاها لهم من جاؤوا بعده  ــ سعيد وإسماعيل ــ ولا يثق بهم أبدا، ولكنه لم يسع في تطوير ماتركه جده، وكذلك لم يسرف فتتراكم على الدولة المصرية الديون كما سنرى بعد ذلك.

استمر حكم عباس خمس سنوات ونصف لم يحدث فيها ما يعد إنجازا يكتب له، ووجد في غرفته بقصره في بنها مقتولا ولم يعرف من قتله، قتل عباس قبل أن ينجح في توطيد الحكم لابنه إلهامي، وقبل أن ينجز شيئا يستطيع التسويق به لنفسه كما تمنى وتولى الحكم من بعده سعيد باشا الابن الأكبر الحى لمحمد علي،

حكم سعيد باشا

كان سعيد باشا مشبعا بالثقافة الفرنسية واتخذ دليسبس صديقا مقربا، والذي كان له الدور الأكبر في التأثير على قرارات سعيد خاصة في موافقته على حفر قناة السويس التي كان محمد علي رافضا شديد الرفض لإنشائها خوفا من محاولات التدخل الأجنبي في مصرمن خلالها، لكن سعيد وافق وأعطى امتياز حفرها واستغلالها للفرنسيين أيضا بعقد مجحف لحقوق المصريين ووعد بان اسمه سيخلد في التاريخ بهذا الإنجاز.

كان سعيد شديد المزاجية في أخلاقه، حيث بكل سهولة يعطي الثقة ويسحبها أيضا بكل سهولة، ولذلك استطاع دليسبس أن يحصل على ثقته ويجعله يوافق على كل طلباته. لم يكن سعيد باشا فقط هو الذي يفكر بهذا الشكل لكن حاشيته أيضا اعتادت التفكير بهذا الشكل الساذج الذي تعطي به الثقة بأقل القليل، فقد وافق قادة جيش سعيد باشا على المشروع عندما استشارهم فيه بسبب إيمانهم بمهارة دليسبس في امتطاء الخيل.

صفات سعيد باشا الحميدة كانت كثيرة: كرم وشجاعة وطيبة وسماحة، لكنه لم يمتلك حصافة القائد وعزمه وإرادته الصفات التي امتلكها ولده محمد علي باشا، لذلك انساق سعيد وراء رغباته واحتياجاته،

ورغم بعض التطويرات التي حققها خلال فترة حكمه التي اقتربت من 9 سنوات إلا أنه لم يستطع التسويق لنفسه ولإنجازاته الضئيلة، كما أنه غادر الحياة، ومصر لأول مرة منذ تولي محمد علي حكم مصر عليها دين بـ11 مليون جنيه.

حكم إسماعيل باشا ونجاحه في التسويق لنفسه

إسماعيل باشا الذي يدور من حوله المقال هو النموذج الأنجح بين هؤلاء في تسويق نفسه وإنجازاته وجعلها باقية حتى الآن واستطاع من خلال تسويقه لنفسسه وليس لإنجازاته أن يسطر اسمه بين دفات كتب التاريخ.

لم يكن لإسماعيل إنجازات تتفوق على إنجازات جده محمد على باشا ــ سواء صناعية أو زراعية أو عسكرية ــ وكانت إنجازاته فيه هو مجرد تطوير لما بدأه جده أو استكمال لما حاول فيه سعيد باشا، إلا أن إنجازه الأكبر الذي استطاع أن يستغله في سطر اسمه في كتابة التاريخ وهو استكماله لحفر قناة السويس والاحتفال العظيم الذي دعا فيه أباطرة العالم

ليشهدوا افتتاحه لصرحه العظيم، لم يكن هذا هو الإنجاز الوحيد الذي سوق به لنفسه أيضا بناؤه بطراز أوروبي لوسط القاهرة التي أرادها قطعة من أوروبا والفعل صارت كما أراد، مدينة مبهرة مرصوفة تضيىء مبانيها ليلا وتعكس آشعة الشمس نهارا، مدينة متلألئة بأغنيائها سواء من الأوربيين أو الأتراك والمصريين،

حقيقة ما وراء ذلك التسويق

صارت بالفعل أحياء وسط البلد في عصر إسماعيل هى واجهة مصر التي يتحدى بها العالم كله، لكن في نفس الوقت توقفت الأقلام عن وصف ما وراء تلك الصورة البهية المضيئة توقفت عن وصف الواقع الحقيقي الذي استطاع إسماعيل إخفاءه.

واقع مرير مليئ بالديون والتدخلات الأجنبية، ومليئ أيضا بمواطنين حفاة عراة لا يجدون قوتهم، واقع نجد فيه آلاف المصريين قتلى بسب السخرة في حفر القناة.

لكن اليوم في كتب أولادنا المدرسية نفتخر بإنجازات إسماعيل الذي استطاع تسويق نفسه بأنه باني مصر الحديثة وصاحب الوجه الحضاري لمصر رغم أن إنجازاته لم تتعد أبدا إنجازات من سبقه إلا أنه ظل هو الباقي في التاريخ والمذكور بأنه صاحب الإنجازات الكبرى في الأسرة العلوية.

ليس من المفترض دوما أن يكون الرجال أو الشهرة أو الانتشار هم أسباب تصديقنا لفعل أوقول ما، وإنما علينا دوما تصديق ما وافق الحق، فمهما قيل لنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو أكبر شركات التسويق أو أشهر رجال التاريخ علينا طرحه على ما يوافق الحق فإن وافق صدقنا وإن لم يوافق تركنا.

 

اقرأ أيضا:

أن نكون الشيخ ” محمد كُريم ” – بطل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي

هل كل ما نقرؤه في المجلات العلمية صحيح ؟

نظرية التطور؛ بين التاريخ والفلسفة .. أولًا: البحث التاريخي

 

 

أحمد مصطفى

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة