الاستعمار الحديث – هكذا يربي المستعمر ليضمن بقاءه
الاستعمار بين الماضي والحاضر
لم يعد الاستعمار يُعرف كما في السابق بجحافل الجيوش والمعدات الحربية، حيث إن هذا النمط وإن كان معمولاً به إلى الآن إلَّا أنه أصبح على أضيق نطاق لأنه أصبح مكلفًا جدا من النواحي المادية والمعنوية من جهة، كما أنه يعطي مبررًّا أخلاقيًّا للشعوب المحتلة في مقاومته،
مما يجعل أبناء الوطن المحتل في حالة من الوحدة والاتفاق على مقاومة المحتل، وهذا المبدأ (وحدة أبناء البلد المحتل على المقاومة) يعد من أخطر الأمور التي يواجهها الاحتلال بشكله التقليدي.
كما أن الدافع لجنود الدولة المستعمرة تكون غير كافية لتحقيق النصر الواضح، لأنهم لا يجدوا في أغلب الأحيان قضية شريفة يدافعون عنها، وهذا ما يوضح حالات الاختلال النفسي والعقلي الذي تعرض له الجنود الأمريكان عقب احتلال العراق.
لذلك أصبح الاستعمار بتلك الطريقة التقليدية لا يحقق الهدف المنشود، بالإضافة للتكاليف الباهظة، لكن الرغبة في الاحتلال و الاستعمار لم تنتهِ عند (الخواجات) في خيرات ومقدرات بلادنا.
فمتى حلّ المستعمر؛ حلّ الخراب بالبلاد وعمّ الجهل والفساد؛ فالمستعمرون كاذبون ومضللون، هم دعاة شر ومفسدون، يعملون وفق سياسية فرق تسد، فعندما أجبر الاحتلال على مغادرة المنطقة لم يرضخ ويمتثل، إلا بعد أن وضع الخطط الخبيثة لعودته واستعادة نفوذه،
الخنجر الظاهر والآخر الخفي
فقد غرس في قلب الوطن العربي “خنجرًا” هو عصابات إسرائيل؛ لتكون له منطقة ارتكاز، ومكمنا يربض فيه، وينفذ منه للدول العربية، ووكرًا يدبر فيه خططه ومؤامراته، لتهديد أمنها وسلامتها وإشاعة الفتنة والفرقة بين شعوبها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اعتمد أسلوب أكثر خبثا،
حيث بدأ في تربية أجيال من السكان الأصليين للدول المستعمرة نفسها بخلفيات مختلفة تحمل أفكاره، واستغل سيطرته على الكثير من المنابر التي أعدها سلفا سواء إعلامية أو تعليمية أو تجارية أو اقتصادية أو حتى أدبية فكرية في تصدير تلك النخب التي تربت في كنف الاستعمار متشبعة بفكره المادي من جهة ومؤمنة بأنه (المخلص للشعوب)
وهم مؤمنون بذلك أشد الإيمان ومدافعين عنه لدرجة كبيرة جدا، مما جعلهم فعلا مؤثرين في كثير من الأجيال، ويرجع ذلك في المقال الأول لذلك الأسلوب الخبيث الذي انتهجه الاستعمار ، حيث قام بتربية هذا الجيل إن صح التعبير على كل ما (يخالف حقيقة هويته وثوابته الحضارية) والتي تعد الرصيد المعرفي لأبناء أي حضارة،
الاستعمار الحديث يربي جيلا مزيفا
بحث ينطلقون منها في تحديد الثابت والمتغير وتحديد أطر التعاون بين الشعوب، أو تحدد طرق وسبل المواجهة، ولا يمكن أن تتوفر هذه الرؤية إلا للأجيال تعلم من هي، وتعلم هويتها الحضارية، وما هي مصادر قوتها وثروتها، وتشخص من هم أعداؤها، وما هي وسائلهم الناعمة وغير الناعمة.
وحتى لا ينشأ هذا الجيل، اعتمد الاستعمار برؤيتة الخبيثة تربية أجيال تحمل أفكار المستعمر نفسه، وتدافع عنه انطلاقا من مبدأ أنه صديق وأن التعامل معه هو عين الصواب، وأصبحت تلك الأجيال فيما بعد هي من تشكل الوعي للأجيال اللاحقة،
وأصبح الاستعمار الجديد يملك صوتا داخليا داخل الشعوب المستعمرة يبرر له سرقته للثروات واستعباده للبشر تحت مسميات فضفاضة لا يستطيع الإنسان البسيط كشف الزيف فيها.
وبذلك نجحت عملية التربية الخبيثة للمستعمر في تحقيق ما لا تسطيع معداته الحربية في تحقيقه.
اقرأ أيضاً:
الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات
العدو واحد.. فمن هو ؟ وما سبب تلك العداوة ؟ ومن المستفيد من وجوده ؟
القضية الأهم في عالمنا اليوم.. كيف ننصر فلسطين؟