مقالات

يعني اية تربية ؟ ( الجزء الأول ): ما المقصود بالتربية ؟ وما هو تأثير القدوة ؟

يقول أفلاطون فى تعريفه للـ ” تربية “: (إنّ التربية هى أن تضفى على الجسم والنّفس كل جمال وكمال ممكن لها)

إن النفس الإنسانية دائما تسعى إلى السعادة والكمال، وكل إنسان سواءً كان مربيا أو متربيا يحتاج إلى التربية من الأطفال والنشأ، كل الأنفس بلا استثناء تحتاج إلى التوجيه والإرشاد حتى تصل إلى الطريق السليم وتستطيع التفريق بين السليم من السقيم فى الأمور والخيارات الحياتية التى تعرض عليه ويتعرض لها، ولن يستطيع معرفة ذلك وحده بدون إرشاد وتوجيه مناسب ولذا كانت هذه حكمة الخالق من بعثة الأنبياء فأرسلهم لنا مرشدين وموجهين فكانوا رحمة لنا من التيه
فى مختلف طرق الحياة الصعبة وتيسيرا علينا وتوضيحا للطريق السوى السليم .

تربية نفوس، لا أجساد فقط

ومن واجبنا أن نراعى ما هو تحت مسئوليتنا بداية من تربية أنفسنا إلى تربية أبنائنا بشكل سليم تربية بناءة إيجابية سوية،
ونعمل على تهذيب النفوس الإنسانية حتى نرشدها ونهديها إلى طريقها السوى، وتربية أطفالنا تعد أمانة تستلزم منا الانتباه
لما نعطيهم ونطعمهم من علم وآداب وأخلاقيات، فالتربية ليست أن نطعمهم الطعام ونملأ بطونهم بما لذ وطاب ولا أن نكسوهم من أفخر وأطيب الثياب، فالرعاية والتربية الحقيقية هى أن نطعمهم علما ومعرفة ونرشدهم إلى ما تحتاجه نفوسهم وعقولهم الصغيرة التى هى الأمل فى غد مشرق بهم ولأجلهم.

كما أن علينا أن نعلم أننا إن لم ننتبه ونكون نحن من نزرع فى تلك النفوس البريئة والطاهرة الخير والحق والعدل
فإن هناك من سيربيهم على ما لا نتمناه لهم أبدا وما هو ليس فى صالح أبنائنا بل فى صالح تلك الشياطين التى تسعى لنشر الشر والجهل والفساد فى الأرض .

ولذلك فإن أهم أدوار لنا فى الحياة هى تربية ورعاية تلك النفوس البريئة والانتباه لها قبل أن تضيع منا فى زخم اهتماماتنا الحياتية الدنيوية التى لا تنتهى والتى تضيع علينا أفضل الفرص فى تنمية كل ما هو جميل فى تلك النفوس البريئة منذ الصغر
فكما نعلم جميعا أن التربية فى الصغر كالنقش على الحجر وعليه فإن علينا أن نأخذ بيد أطفالنا نحو التغذية العقلية السليمة
والصحة الحقيقية للإنسان وللنفس الإنسانية وهو العلم والمعرفة السليمة الصحيحة؛ فالعقل السليم والنفس السوية
أهم وأفضل من الجسم السليم صاحب العقل الضعيف والسقيم بالجهل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المقصود بالتربية

والمقصود بالتربية هنا والتى قصدها أفلاطون من أن تضفى على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن أى بالعلم والأدب والتخلق بالأخلاق الحسنة والطيبة وبالطبع بداية هذا الطريق هو السعى فى معرفة احتياجاته ورعاية احتياجات كل مرحلة عمرية يمر بها الطفل وماذا يدرك عن نفسه وعما حوله وعن الحياة وما هى الأخلاق وآثارها فى حياته وعلى شخصيته
وكيف يكون إنسانا عاقلا خلوقا حكيما فى اختياراته وحياته، سويا مع نفسه ومع الآخرين، قنوعا سعيدا يسعى فى تكامله برضا وطمأنينة، وهذه أبسط حقوقه علينا أن نسعى به إلى تلك الصفات والكمالات التى تسعى به للسعادة الحقيقية لا السعادة الوهمية المؤقتة والدنيوية المرتبطة بالشهوات والأنا، والتى تسعى به إلى الهلاك والانهيار والاكتئاب وشتى الأمراض النفسية والأخلاقية التى تظهر بشدة فى أصعب فترات التربية علينا وهى فترة المراهقة وهى نتاج ما سبقها من مراحل عمرية، ونوع التربية التى تلقاها الفرد فيها، فتعتبر هى مرحلة اختبار وثمرة هذه التربية .

فلو راجعنا حياتنا اليومية مع أطفالنا من وقت أن تستيقظ أعينهم البريئة حتى آخر يومهم وذهابهم للنوم لوجدنا أغلبها إن لم تكن كلها فى تيه بين أمور ليس لها أدنى علاقة بالتربية بداية بالمدرسة والدراسة التى لم تعد تتعدى فائدتها القراءة والكتابة
إلى أن يعودوا فنهتم بالغداء والغذاء الجسمانى ثم إلى مرحلة لعبهم التى أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة التى ثبت على غير ما كان مفترض لها وما كان يتوقع منها أنها أصبحت تفسد أكثر مما تصلح كـ “التليفزيون والسوشيال ميديا” التى أصبحت تعبأ عقولهم وتربيهم بدلا عنا وتزرع فى نفوسهم كل ما تصبوا إليه بسهولة دون أى محاولة منا فى صد هذا الهجوم والتعدى على مسئولياتنا وفلذات أكبادنا وآمالنا التى تمشى على الأرض .

القدوة

إن التربية الحقيقية التى تؤثر فى أطفالنا شئنا أم أبينا الاعتراف بذلك، هى القدوة وهى أعمالنا وتصرفاتنا وحركاتنا وقراراتنا ومعاملاتنا معهم وأمامهم سواء كانت فى اتجاههم أو اتجاه غيرهم أو مع بعضنا البعض كآباء ومسئولين تربويين، فببساطة التربية فى حقيقتها هى القدوة والعمل أولا وأخيرا .

فما نريد أن نزرعه فى آبنائنا علينا أن نسعى لتأصيله وزرعه فى أنفسنا أولا وما نسعى لتربية أبنائنا عليه لا بد أن نربى عليه أنفسنا؛ أطفالنا هم كالمرآة التى تعكس حقيقتنا وشخصياتنا بحلوها ومرها ليس أكثر لأن أرواحهم شفافة وبريئة وأرض خصبة تتقبل ما نزرعه فيها وما نجنيه من ثمار يكون نتاج ما زرعناه فى الحقيقة ليس أكثر وما سمحنا فى لحظات تقاعسنا بزراعته فى عقولهم ونفوسهم من غيرنا من شياطين الأرض والإنس الساعين فى طمس وتلويث فطرة أطفالنا الأبرياء .

سلامة الفطرة أفضل معين للتربية

إلا أن أطفالنا يتميزون عنا بأنهم لا يزالون فى طور البرائة والتلقى وسرعة الاستجابة لأن الأصل ما زال نظيفًا لم يتلوث بعد
ولا يزال على استعداد للتلقى والزراعة بنظافة وسهولة فلو راجعنا بناء الجيوش فى العالم ستجد أن سن الجيش دائما يكون فى أول فترة يزدهر فيها الشباب على مستوى الجسد وأيضا على مستوى الروح والنشاط والحماسة كما أن فى تلك الفترة من حياتهم يسهل زراعة وتثبيت القيم والأخلاقيات وصناعتهم بشكل عام فما يؤمنون ويقتنعون به يصبحون مستعدين للجهاد بالروح والجسد من أجله،

إنها طهارة النفس ومصداقية العقل وحسن الأخلاق فى أعظم تجلياتها فى أفضل عمر يمر على الإنسان ليبدأ فى فلترة كل ما مر به وتربى عليه بِحُلوه وَمُره ليختار ما يثبت عليه ويستقر فى نفسه ليكمل به حياته ويواجه به الدنيا وما سيتخلى عنه من صفات يفلترها ولا يقبل أن يختارها ضمن خياراته المقبلة
فهو طفل الأمس نعم، لكنه رجل الحاضر وأمل المستقبل المزهر إن شاء الله .

تعرضنا فى هذا المقال إلى التربية بالقدوة وأثرها فى تربية الأطفال وبناء شخصياتهم، وإلى هنا وصلنا إلى العامل الثانى وهى البيئة التى هى العامل الآخر والمهم فى تربية الطفل والتى لها آثار عظيمة وكبيرة لا نستطيع أن ننكرها أو نتناساها ولذلك نلتقى فى مقالنا القادم لنتناول دور البيئة وآثارها على الإنسان وما هى مسئولياتنا تجاهها وكيف نستطيع تفادى مساوئها وأن نحفظ أطفالنا وأنفسنا من سلبياتها .
وللحديث بقية دمتم بخير…

لقراءة الجزء الثاني من المقال: اضغط هنا

اقرأ ايضاً:

أهمية الحديث مع الطفل

قصة عن التربية

إشكاليات التربية

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

رحيل محمد

عضوة بفريق بالعقل نبدأ بالقاهرة