إصداراتقضايا وجودية - مقالاتمقالات

البطل الحقيقي يضئ في وسط الظلام

البطل الحقيقي

يقولون إن اعتياد الفساد يجعله مقبولا لدى النفس، دعنا نقيس على ذلك اعتياد كل شيء بشع في هذا العالم… من اعتياد الدمار إلى اعتياد القتل إلى اعتياد الظلم بأنواعه، كل شيء عندما يصبح عادة يصبح مقبولا بشكل أو بآخر على الأقل بالنسبة إلى أغلبنا، وأعتقد أن هذه المقبولية التي يحصل عليها الفساد في نفوسنا من خلال العادة هي أكبر تحدي لإنسانيتنا الحقيقية،

فما بين هو كائن وحاصل وبين ما ينبغي أن يكون.. يكون الإنسان أسيرا في أغلب الأحيان.. يطمح لرؤية العدل ولا يراه فيعتاد الظلم ويسلم بأنه طبيعة البشرية وسنة الحياة ولكن وعلى الرغم من كل شيء وعلى الرغم من كل الألم الذي يملأ العالم حقدا وكرها أعتقد أن الإنسان أسمى من هذا ولا زلت أعتقد بقدرتنا على إحياء الإنسانية ومنطق العقلانية فينا من جديد.

الفيلسوف الفرنسي

منذ يومين وقعت عيني على سطور تحكي قصة فيلسوف من فلاسفة فرنسا في زمن الثورة الفرنسية، إنه تلميذ فولتير كوندروسيه، ذلك المفكر والفيلسوف الفرنسي الذي عارض روبسبير طاغية فرنسا في ذلك الوقت وكان قد هرب منه إلى غرفة في ضواحي باريس هربا من المقصلة التي أعدت لكل المخالفين وعلى الرغم من الفوضى والإرهاب حول فيلسوفنا هذا وعلى الرغم من كل المآسي التي لاحقته كظله تماما عكف في غرفته ليكتب لنا واحدة من أجمل الرسالات في الإنسانية والإيمان بالقيم الأخلاقية

وكتب يقول أن التاريخ سيفتح الأبواب أمام الناس للإنسانية والأحسن والعدل وكان على ثقة مطلقة بأن يأتي زمان لا تشرق فيه الشمس إلا على الأمم الحرة وينتهي الجهل من العالم وتختفي العبودية تماما ويصبح كل إنسان إنسانا بحق، لقد تأثرت بكلام بطلنا هذا ففي وسط كل الظلام الحالك الذي انتهى بموته في زنزانة عتقة لا ترى نور الشمس، لا يزال وعلى الرغم من كل ما رآه من فظائع يؤمن بقدرة الإنسان على التسامح والارتقاء ونبذ روح الكراهية فينا بنور الرحمة والإخاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سقراط

قصة موت بطلنا هذا ذكرتني بقصة موت سقراط، ذلك الفيلسوف اليوناني القديم الذي انتفض لكي ينقذ اليونان من براثن العبثية وفقدان القيم الأخلاقية لقد غضب الناس ضد سقراط لأن الشباب كانوا قد التفوا حوله ولأن سقراط انتقد النظام السياسي والاجتماعي في أثينا مما دعا الناس لمحاكمته محاكمة علنية أمام الناس ليحكم الناس في النهاية بقتله،

ولكن ما أعجبني في سقراط  – غير فلسفته الأخلاقية العظيمة وحكمته الكبيرة- هو تقبله للموت بمنتهى الهدوء وكان حتى آخر ساعاته يعطي تلاميذه من علمه بغير حساب ويعلمهم أن القيم الأخلاقية أعظم من أن تنتهكها رغباتنا الصبيانية وفي آخر حياته ينظر إلى تلاميذه ويقول لا تحزنوا أنا باق ولن يفنى إلا هذا الجسد ليتناول بعدها كأسا من سم الشوكران ويشربه بهدوء لتفارق روحه جسده بعد ما علَّمنا وضرب لنا مثلا في القيم الأخلاقية وتقديم الواجب على المصلحة الشخصية.

البطل الحقيقي

قصص الأبطال المؤمنين بالإنسانية والقيم الأخلاقية لا تنتهي وقد نتذكر منهم عشرات وعشرات والمقام هنا لا يتسع للأسف بذكر أكثر من ذلك وما يهمني هنا هو استلهام تلك الروح العظيمة التي تحلى بها هؤلاء ومن قبلهم أنبياء الله جل جلاله الذين زرعوا فينا روح التسامح ومنطق الرحمة ومنهج العدالة، إننا نحتاج أن ندرس هذه النماذج لكي نعلم أن التحلي بالأخلاقية وسط الظلام ليس مستحيلا وأن الإنسان ولو استحال ما حوله إلى فساد فلن ينقذه ويعطيه الرضا والطمأنينة إلا حفاظه على نور عقله من عتمة ليل الجهل والحقد،

إن التاريخ يعلمنا أن الأبطال من هذا النوع هم من غيروا التاريخ. حقا لقد أصاب هيجل حين قال إن الأبطال هم من غيروا التاريخ ولكني أختلف معه في تحديد هوية البطل ، فالبطل ليس نابليون أوالقيصر وإنما الأبطال هم من حملوا هم المعرفة وروح الإنسانية، الأبطال في رأيي هم الأنبياء كنبينا محمد رمز الرحمة الإنسانية والمسيح رمز التسامح ومن بعدهم مفكري الإنسانية كصديقنا سقراط ورفيقنا كوندروسيه وغيرهم الكثير والكثير من أعاظم الناس الذين لولاهم لما وقفنا اليوم، البطل هو كل إنسان تحلى بروح الإنسانية.

و البطل أيضا يا صديقي هو من صبر على الابتلاءات ولم ينقاد كما انقاد غيره لاستحسان الفساد واستساغه الظلم ولكنه استعان على ظلام الجهل بنور العلم، ولا يزال بطلا كل من حافظ على عقله وقلبه سليما وسط كل هذه الجرائم والفظائع التي بإمكانها أن تقتل الإنسان فينا، إن إنسانيتنا هي أعز ما نملك وهي ما كرمنا الله سبحانه وتعالى به، وما تمايزت الإنسانية إلا بعقل أودعه الله فينا لنكن مخيرين في أفعالنا، فالبطل فينا يا صديقي من أنار طريق الإنسانية بنور المعرفة وأضاء وقت الظلام الحالك الطريق بنور الرحمة والغفران، البطل هو من كان إنسانا حقا.. رغم كل شيء

 

.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اقرأ أيضاً:

هل هناك امل ؟

أزمة العدالة والخير والشر

لماذا يتركنا نتأرجح بين الألم والملل ؟

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة