مقالاتقضايا وجودية - مقالات

هل الأمل ما زال موجودا حتى بعد كل ما أرته لنا الحياة؟

أخبار القتل تتزايد؛ في بقاع عديدة من العالم، وأنباء الحروب تتردد، والصراعات باتت تندلع وتتأجج بسرعة غير معهودة، يقولون إن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب.

الأزمات المالية تطحن الدول، واقتصاديات النفط تتراجع، والعمالة المهاجرة لا تجد عملا، وقوارب الهجرة اليائسة تتحطم على شواطئ الموت.

الغلاء يذبح الفقراء، قوت يومهم أصبح عزيزا كالياقوت والمرجان، واحتياجاتهم الأساسية بعيدة بُعد المشرقين والمغربين.

الانحلال الأخلاقي ينتشر، التمزق الأسري، المؤامرات السياسية، ذبح الشعوب من أجل مكاسب الكبار، الطائفية المقيتة، والقائمة تطول.

فهل ثمة أمل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

البعض يتلمس الأمل في التفاصيل الصغيرة؛ في انتصار فريق كروي مغمور بلقب الدوري الإنجليزي، أو في وصول فريقه المحلي لنهائي بطولة قاريّة.

في انتصار عسكري صغير لفصيل يؤيّده، أو فوز سياسي محدود لمجموعة سياسية يدعمها.

في ظفره بقلب فتاة يحبها، في إدخاله البهجة على أطفاله، جلسة دافئة مع أصحابه الطيبين، براءة جاره في قضية ظالمة، “فيديو” أو “بوست” على مواقع التواصل الاجتماعي.

فهل ثمة أمل؟

سرعان ما يخسر الفريق بعد فوزه، وتضيع البطولة بعد قربها، وينكسر فصيله أو مجموعته في معركة صغيرة أخرى، ويتشاجر مع من ظَفر بقلبها يومًا، ويرسب ابنه في امتحان، ويهاجر أصدقاؤه، وينسى الناس “الفيديو” و”البوست”.

فهل ثمة أمل؟

مشكلة كبيرة أن نعلّق أنفسنا وقلوبنا بالمتغير، بالفريق الذي سيتغير حاله حتما في لحظة من فوز إلى خسارة، بالوظيفة التي قطعًا قد تصبح غير مناسبة إن تغيرت ظروف العمل. ومشكلة أكبر أن نجعل ذلك مصدرنا الوحيد الذي نستمد منه الأمل، ونرسمه طريقًا وحيدًا لالتماس معنى لحياتنا؛ عندها فأملنا عرضة للذهاب في مهب الريح.

لكن في الحقيقة؛ الأمل هناك في الأعلى! ثابت لا يتزحزح! كالسماء فوق رؤوسنا دائمًا! هناك حيث يشير أفلاطون في لوحة مايكل أنجلو الشهيرة! لكنه واقعي مثلما أراد تلميذه القابع بجواره في نفس اللوحة!

أمل واقعي واقعية الإله الذي أثبتت البراهين العقلية المتينة والقريبة من البداهة وجوده، وأشارت لكماله المطلق وعلمه وحكمته، وثبت لها لطفه وعنايته بهذا العالم؛ في خلقه وتكوينه، وفي إرشاد مخلوقاته المختارة بإرسال النبوات تقود جموعهم الحائرة نحوه، وترفع نظرهم لأعلى؛ نحو سماء الأمل!

أمل واقعي واقعية الجمال المبثوث في الكون، في فضائه وبحره وبره، ونباته وحيوانه وإنسانه، في النفوس والقلوب. واقعي واقعية النظام البديع المرسوم على صفحات الوجود، حيث كل جزء صغير يؤدي دورًا وغاية في صورة أكبر، فتعمل أعضاء جسم الإنسان في انسجام بديع لحفظ حياته، وتتحرك الأجرام في تناغم عجيب.

فيستحيل بذلك كله العبث؛ فهو أبعد ما يكون عن العقل وما ظهر له جليًا، ويثبت أن الكون إنما خُلِق لغاية جميلة كجمال صانعه، وبهية كبهاء فاطره، لجمال وكمال وعدل، حتى وإن ظهر الظلم ساعة بسبب ابتعاد المختارين عن مصدر الأمل.

أمل واقعي واقعية سعي الإنسان الفطري للخير والجمال والعدل، طالبًا إياهم باستمرار، رافضا للظلم، مُستقبِحا له أيا كان مكانه وزمانه، تدفعه فطرته لذلك طفلًا وشابًا وشيخًا، وهو محصلٌ ذلك يومًا بالتأكيد. وواقعي واقعية الإنسان وعقله، هذا العقل الذي يدرك ما سبق بسهولة ويسر، فهو واقعي بنفس درجة واقعيتك وواقعية إدراكك الآن!

هذا الأمل هو أمل وعيٍ وإرادة؛ فلا بد من عقل واعٍ متسلح بالتفكير السليم كي يرى ذلك، ولا بد من إرادة تختار النظر نحو السماء أولًا، والإبحار بالأرض صوبها ثانيًا.

وقد تغشي أعيننا غشاوة التفاصيل المتغيرة أحيانًا؛ فلا نلحظ شمسه الساطعة؛ لكن سرعان ما ننتبه لها؛ فيا لجمالها!

فلتنتعش نفوسنا الظمأى بذلك! فأجل؛ ثمة أمل!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

 

أحمد عزت

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا