نصيبك لَيْصيب لَيْخيب
النصيب والاختيار وما المشترك بينهما
هل يوجد من الأساس منطقة تجمع بين المفهومين؟
هل كل فرد منا له نصيب من قبل أن يولد وعليه انتظاره؟
الفتاة التي تزوجت الرجل الذي تعيش معه الآن حياة بائسة، هل هو نصيبها وكل ما حدث كان خارجاً عن نطاق إرادتها!
الطالب الذي اختار تخصصاً وفقا لعلاماته وليس على ما يتحمله ويرغب به هو نصيب!
الشاب الذي عمل في أول وظيفة لا تناسبه، فقط لأنه اجتاز مقابلتها دون أن يبحث عن اختيارات عدة ينتقي بينها الأفضل، هو نصيب!
مواقف عدة وفي كل مشهد يتردد على آذاننا “ما هو كله نصيب ونصيبك ليصيب ليخيب”
ما حجة عقل الفرد على تلك العبارات؟
الحقيقة إن لفظ نصيب ما هو إلا مخدر يتداوله البعض كمسكن ليضمد به خيباته وفشله في وضع خطط وبدائل لكي يقدر أن يختار منها الأقوم ويصل إلى نتائج بينة!
أثناء مسيرة كل منا هناك نوعان من الاختيارات: اختيارات مصيرية تؤثر بشكل مباشر في انقضاء عمر الفرد كالزواج، واختيارات غير مصيرية تنحصر في القرارات السريعة التي نأخذها يوميا كاختيارك ماذا تأكل وما الزي الذي سوف ترتديه؟ فهي تساهم بطريقة طفيفة في حياتنا.
ومن منطلق الاختيارات المصيرية يجب أن يكون الفرد على وعي بضرورتها كمحرك أساسي لسريان عمره بمعدل منتج ومثمر، فلكي يقدم الفرد على اختيارات هامه كهذه يستلزم أن يضع نصب عينية مجموعة من النقاط التي تتمثل في: قدراته، رغباته، معلومات توفرت لديه، والظروف المحيطة به.
لنبدأ أولا من منظور القدرات: قبل الإقدام على أي اختيار، على الإنسان أن يتأنى ويخاطب نفسه بشكل صريح: هل يملك القدرة العقلية والجسدية الكاملة على الاستمرار في ذلك بمجرد البدء فيه، هل هو مطّلع على العالم الخاص به ويعلم يقيناً أنه سيكون منضبطاً في تحقيق ذلك بنجاح.
وطبقا للمقولة:
“فإن كانَ لكل إنسان في هذه الحياة مقدار، فذلك يعتمد حتماً على حُسن الاختيار، فما يتمايز كبير القوم عن صغيرهم إلا بقرار، ولا تقل هكذا ولد هذا، وهكذا ولد ذاك؛ فحتى الحمق لا يُلازم المرء إلا بإصرار.” محمود أغيورلي
ثم ثانيا من جانب الرغبات: على الفرد أن يكون فطناً ذهنيا بذاته بحيث إنه يعي جيدا ما يحب وما ينبذ، ما يريده بشدة وما ينفر منه؛ نظرا لأن ذلك العامل يلعب دوراً فعالاً في استمرارية المختار، فالحافز حاضر بداخله دائما. فالعجب على من يسلك طريقاً متخبطاً تائهاً غير راغب فيه؛ لأنه حتما سيجد نفسه في اختيارات عدة لا يلبث أن يبدأ إحداها فيعجز عن المواصلة.
ثم الأكثر شأناً: المعلومات المتوفرة لدى صانع الاختيار، فحتى يصل الفرد إلى معلومات حسنة عليه أن يخضع عقله لعملية التفكير السليم وهي اكتساب المجهول بالمعلوم عن طريق حركة الذهن في المعلومات، فعندما نفكر نصل إلى معلومات جديدة نبني عليها قرارات هادفة لاختيار بَناء، وهذه المعلومات يمكن الوصول إليها بطرق شتى؛ فهناك معلومات حسية يتم اكتسابها عن طريق الحواس والمشاهدات، ومعلومات خيالية مخزنة في الذاكرة يتم استدعائها عند الحاجة إليها، ومعلومات عقلية وهي من العقل المجرد (غير الحسي)، فالمختار عليه أن يجمع بين تلك الوسائل المختلفة للمعلومات حتى يصل إلى ما يفيده في اختياراته ولا يبنيه على جانب واحد فقط.
فعلى سبيل المثال:
-لا يمكنك أن تتزوج فتاة لمجرد أن شكلها أعجبك فقط (معلومة حسية)
-لا يمكنك اختيار عمل لتخيلك صورة في ذاكرتك عن تجارب أناس خاضوا نفس المجال (معلومة خيالية)
وأخيراً الظروف المحيطة بالشخص التي تؤثر بشكل فعال على اتخاذ القرار؛ فبعض الأفراد قد ينقادون لمن حولهم ويجعلون خضوعهم هذا هو المحرك لقراراتهم، كالأهل والأصدقاء والزملاء في العمل وطبيعة معيشة الفرد وتحركاته. وهناك من يتأثر بحديث أحد الأشخاص من ذلك المحيط، أتذكر مثلاً من المشهورات في مجتمعنا العربي: “الزن على الودان أمر من السحر” أي كثرة الحديث عن شيء ما يمكن أن يتحكم بشكل غير مباشر في اختيار الفرد وهو ما يقوم به بعض الناس لتحقيق نتائج معينة بطرق غير مشروعة. ولنتذكر دائما إن الإنسان لديه القدرة على التفكير المجرد الذي لا يخضع في ذاته لأفراد أو مواقف جزئية أو معلومات ناقصة. فمن هنا نستطيع أن نصل إلى قواعد أو مبادئ عامة كالتفكير في “مسئولية اختياراتنا”.
لا يوجد ما يسمى بالنصيب والجبرية في الاختيار؛ صحيح أن الإنسان لم يختر بعض الأشياء كأهله واسمه وبيئته والزمن الذي ولد فيه لكنه يستطيع أن يختار غاية نبيلة يسعى من خلالها لإحقاق الحق وتطبيق العدل في نفسه ومن حوله.
إذن اختيارك يصيب أو يخيب استنادا على تفكيرك وتجردك وأفكارك.