مقالات

مولانا الخبر عاجل! – من هذا الذي ينبؤنا بالأخبار؟

الخبر العاجل

يجلس عم سامر في الخمسين من العمر أمام التلفاز هو وبعض أفراد أسرته؛ لمشاهدته نشرة الأخبار، فجأة يظهر ذلك الخبر العاجل يعقبه خبراً تلو الآخر دون أن يترك له الفرصة لكي يستفيق من هول الخبر الأول.

فيصاب بالصدمة وتبرق عيناه من هول المشهد ويعلو صوت دقات قلبه ويصير أمام التلفاز في حالة خشوع العابد مناجيا مولاه، ثم يتلقى المذيع اتصالاً من أحد شهود العيان.

يتحدث الرجل ويروي شهادته عن الخبر، نسمع من حوله أصوات الرصاص وبعض الصيحات ويبدو وفقا لظاهرة علامات الترقب والحذر، يتحدث الشاهد ويروي الحدث ويبدأ المذيع في سؤاله السؤال تلو الآخر -وحال المذيع مسَلِّما ومُؤمِنا- بما يقول وكأنه نبي معصوم من السماء، فيستمع عم سامر لشهادته بكل حزن وأسى مصدقا الخبر كما يُقال دون أن يتسأل هو من ذاك الشاهد؟

وهل هو جدير بالثقة وتصديق شهادته؟

وإلى من ينتمي؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهل له المصلحة في أن تكون شهادته كما سبق؟
هذا بغض النظر عما هي توجهات تلك القناة التي يشاهدها؟

ومن ممولوها؟

ولمصلحة من؟

المشهد اليومي

مؤمنٌ هذا الرجل ذو القلب الصافي والضمير النقي بما يُقال ويتفاعل بإنسانية عالية تجاه هذا الظلم الذي يشاهده على التلفاز من خلال ذلك الخبر أو تلك الرواية أو هذا الفيديو أو هذه الصورة.

في نفس الوقت ابنته التي في العشرينيات تضع سماعات الموبايل في أذنها حتى لا تسمع ما يحدث حولها غير مكترثة بما يحدث، فيما يجلس والدها في حسرة وألم لا يدري ماذا يفعل!! فلا حيلة له.

كان هذا مشهدا يوميا نراه في كثير من منازلنا ولدى أقربائنا وأصدقائنا، ينقسم اتجاه من حولنا إلى من ينفعل مع الحدث، فيما يجلس البعض غير مكترث تماما بل متجاهلا ومحاولا ألا يعير أي اهتمام للأمر بل يسعي للهروب منه بشتى الوسائل، فيتجه البعض منا إلى اتهامهم بالسلبية واللامبالاة وعدم تحمل المسئولية.

لذلك كان يجب علينا أن يكون لنا وقفة مع الخبر العاجل وذلك الشاهد وذاك المصدر أوهذا المسئول… إلخ، والتي صارت أحد أهم مصادر المعلومات لنا من القنوات الإخبارية؛ فقد كنا منذ فترة قريبة نرى تحري القناة عن مصدر الخبر بنسبة ما -من خلال مراسلها وغيره- أما الآن في عصرنا  الحالي صار المصدر المجهول أحد أهم مصادر صناعة الخبر وبالتالي تتلقفه وسائل الإعلام الواحدة تلو الأخرى فتراه ينتشر كالنار في الهشيم وهو مجهول المصدر ومرسل.

حتى بين المتعلمين والمثقفين!

ينتشر حتى بين نخبنا المتعلمة في حالة هستيرية فيأخذ البعض رد أفعال غير محسوبة ولا مدروسة، ويصبح الخبر المجهول المرسل وكأنه خبر مشهور معلوم وبديهي في وعي الكثير، وقد شاهدنا ذلك جليا في الفترة الماضية فيما يسمى الربيع العربي وما بعده، فقد بنت فيها قطاعات من الشعوب وعيا وقرارت بناءً على مصدر أو شاهد أو خبر عاجل مرسل أو صورة أو مقطع فيديو يُحكى أنه مصور من موقع الحدث، فأصبحت أمتنا أمة تقاد بمولانا الخبر العاجل حفظه الله ورعاه.

قد يكون هذا الخبر قد حدث بالفعل أو لم يحدث، وإن حدث فهل تم نقل الصورة بأبعادها أم تم التركيز على جزء من الصورة، فيكون الوعي ناقصا ومشوها وبالتالي يكون الحكم خاطئا ولغايةً في نفس يعقوب.

فهناك من يرغب في رد فعل معين لا يكون خاضعا للمنطق وصوت العقل وإنما للشحن ورد الفعل اللحظي وللشحن الطائفي أو الحزبي… إلخ من أجل مصالحه والتحكم في الرأي  الوعي العام.

فنرى من رجال العلوم المختلفة من أكاديمين ورجال دين، من منهم يتحرى الدقة ويبحث عن مصدر حدث تاريخي أو فقهي ومدى صدق راوية وفيمن رواها وتناقلها ويضعون منهجية علمية للبحث والتحقيق ولا نجد من كثير منهم التحذق في تحري الدقة في حدث يصنع ويشكل وعي أمة ولا منهجية في تناول الخبر أو تناقله أو تحليله فليس هناك أهم من أن يتحلى المرء بمنهجية في التعامل مع الخبر وتحليله.

ما الحل؟

فيجب علينا أن نعيد النظر في تناولنا للخبر من مصدره، فلا نحكم أحكاماً مصيرية على أخبار كثيرة منها، ربما يكون في أحسن الحالات ظنية غير قطعية رواها وشاهدها البعض فنضع مصير أمة ولا نسعى إلا التثبت والتأكد من مصدر الخبر وناقله ومصلحة ناقل الخبر والوسيلة الناقلة، فليس من الرشد أن نتعامل مع الخبر بعيدا عمَّا سبق بل يجب أن نأخذ بمختلف الزوايا فما بال البعض يبحث ويتحرى عن مسائل تاريخية قد انقطع أوصالها بالواقع، ولا يعطي للخبر التليفزيوني نفس الاهتمام! فنبحث عن منهجية علمية في البحث العلمي ولا نهتم بمنهجية للتحليل رغم أهميتها في تشكيل الواقع.

كما يجب علينا أن نتناول الخبر من أكثر من مصدر من المصادر المتضاربة والمختلفة التوجهات و المصالح ، فيفتح لنا الآفاق ويساعدنا على فهم الخبر والأبعاد في صياغته وتناقله والمصلحة كلاً من الأطراف المختلفة فلماذا لا يستمع بعضنا إلا لعدد من وسائل الإعلام المحدودة والمألوفة ولا يستمع إلى غيرها لماذا يغشى الكثير منها أن يستمع للحدث بعيون الآخرين.

إن كان يرى فيما سلكه حقاً فليكن تناولنا للحدث بعين التحري والدقة والتحذق لا الأفعال والاستماع من طرف واحد.

الحقيقة تستحق التدقيق في الخبر

حتى لا نكون وسيلة لكسر شعوبنا وتحطيم معنوياتها فننتقد الشباب ونتهمه بالأنانية وعدم الاكتراث ونكون نحن أحد تلك الأدوات التي تستخدم لترويج بعض الأخبار التي تؤدي إلى هدم وكسر وتحطيم همم هؤلاء الشباب وهروبهم من الواقع دون أن ندري، فالحقيقة تستحق مزيدا من البحث والتحري وعدم الاستماع إلا فيمن نثق فقط! فيجب علينا في هذه الفترة الحرجة الاستماع حتى للمخالف الذي نراه غير جدير بالثقة؛ فقد يفتح لنا أبواباً و يكسر لنا أصناماً.

 

اقرأ أيضا:

 جنون التواصل الاجتماعي !

حقوق وواجبات

 نفس الطريق! إنها حالة نادرة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب