مقالاتقضايا شبابية - مقالات

من بورسعيد إلى فلسطين – دور المقاومة الشعبية في التصدي للغاصبين

قُبَيل ذكرى تحرير بورسعيد سافرت إليها من القاهرة، ثم إلى أقصى شمال شرق المحافظة، حيث كان على يميني مدخل قناة السويس وأمامي البحر الأبيض المتوسط وبجواري منصة تمثال “ديليسبس”… فتذكرت  كلمة السر التي قالها الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” في خطابه كإشارة ليقتحم الجنود المصريون مبنى هيئة قناة السويس ومكاتب المهندسين الإنجليز الذين استولوا على المشروع وأرباحه بدعوى أن مصر لن تستطيع إدارته، لكن المصري فعلها واستطاع أن يدير شؤون القناة بدون مساعدة من الأجانب، وأعلن تأميم قناة السويس، فبعد أن حرم الشعب المصري من أرباحها لعقود عديدة أصبحت شركة مساهمة مصرية، فدخلت أرباحها كاملاً لمصر.

شيء مرير أن ترى مواردك التي أنعم الله عليك بها تحت سيطرة دولة أجنبية أو محتل لينتفع بها، وأنت تعاني من الفقر والمرض، والأشد قبحا أن ينعم عليك بنعمة ولا تستغلها.

الاحتلال ومقاومة أهل بورسعيد

بعد بضع دقائق اتجهت نحو الممشى السياحي على شاطئ البحر المتوسط، فتذكرت ما حدث بعد تأميم قناة السويس بثلاثة أشهر، حيث اقتحم العدو الإسرائيلي سيناء والضفة الشرقية للقناة، ثم تبعها الغزو البريطاني والفرنسي على مدينة بورسعيد، ولكن هيهات فلقد تصدى لهم أهل بورسعيد البواسل فقاوموا المحتل بضراوة وكفاح واستبسال هز ضمير العالم ضد بريطانيا وفرنسا، واندلعت معارك عنيفة بين قوات الاحتلال والمقاومة الشعبية ظهرت خلالها نماذج مشرفة للمقاومة، شاركت فيها بورسعيد بأكملها برجالها ونسائها، كبارها وصغارها، الجميع يعرف عدوه، وأين هو مكانه.

وعلى أثر هذه المعرفة اتجهت المقاومة نحو الشمال لتلاقي قوات الاحتلال، شعارهم الوحدة، الكل يشارك بكل ما يستطيع فعله، النساء تعالج الجرحى، الصغار يحملون الذخائر، الرجال تقاوم فرق المظلات الهابطة من الطائرات والدبابات والمدافع من اتجاه الساحل، ومن لم يحمل سلاح يحمل القتلى والمصابين، أو يوزع المنشورات المحرضة على العدو والمشجعة للروح المعنوية للمقاومة، مشهد بطولي تتجسد فيه روح الوحدة.

إما التصدي للعدو أو الهروب

الكل أكبر من الجزء، الوحدة أقوى من الفرقة، الأمر بديهي “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” (الأنفال:46)، فلا نصر لأصحاب الحق حتى يتوحدوا فى سبيل الحق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولم يكُن لاتحادهم معنى إلا تحت راية المقاومة المسلحة (عقد “عبد الناصر” صفقة سلاح مع “الاتحاد السوفيتي” قبل تأميم القناة وعلى أثرها أمد المقاومة الجزائرية بالسلاح، ثم المقاومة فى بورسعيد)، فلا يوجد عاقل يلاقي المحتل بالورود، وإنما بالسلاح، والمحتل أيضًا سيستقبلك بالسلاح، قاومته أم لا، فلك أن تختار إما الفرار وترك الأرض للمحتل ولا ضمان في النجاة من قصف بالرصاص أو الطائرات أو الدبابات، أو المقاومة حتى الموت أو الانتصار، ألم تنسحب إسرائيل من جنوب لبنان بالمقاومة؟! وتنسحب فرنسا من الجزائر بالمقاومة؟! وأمريكا من فيتنام؟!

تحرير بورسعيد

ثم يأتي دور المقاطعة أو بمعنى أدق تهديد مصالح الدول المادية التي لا تحيا إلا من أجل تحصيل المتعة، فقامت الدول العربية بنسف أنابيب الغاز حتى تهدد مصالح الدول، وأتلفت مصر المجرى المائي لقناة السويس عن طريق إغراق سفن في وسط القناة، فحرمت الكل من القناة، وقام الاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) بتهديد الدول المعتدية ومطالبتهم بالانسحاب من مصر أو ضربهم بالصواريخ.

وبعد حوالي 7 أيام من القتال أوقفت إنجلترا وفرنسا إطلاق النار في 7 نوفمبر، وفي 19 ديسمبر أنزل العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد، تلا ذلك انسحاب القوات من بورسعيد في 22 ديسمبر، وفي 23 ديسمبر تسلمت السلطات المصرية مدينة بورسعيد واستردت قناة السويس. وهو التاريخ الذي اتخذته المدينة عيدًا قوميًا لها أطلق عليه “عيد النصر”.

المقاومة مشروعة أمام العدو الحقيقي

هذه هي بورسعيد الباسلة، بنت مصر العتيدة، ومن بورسعيد إلى فلسطين، بضعة العرب، حيث البرهان على أن العدو حولنا متربصين بنا لن يهدأ حتى ينتزع جوهرنا ويصبغنا بقشوره المزيفة السطحية، الآن فلسطين تستمر في المقاومة فكريا وعسكريا، ففي المقاومة كل الوسائل مشروعة في سبيل حرب لتحرير، وتنتهج نفس نهج أحرار بورسعيد والجزائر في مقاومة المحتل المغتصب، وفي نفس الوقت يلقي البعض اللوم على فلسطين أنها تقاوم ويوصم الأحرار الأشراف بتهمة الإرهاب.

(إننا اليوم نُعاني بسبب الجهل بالعدو الحقيقي الذي يتخفى خلف سِتار السلام والإنسانية، وهو يمارس كل أساليب الاستبداد والظلم، من تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى أحزاب متنازعة، وسرقة الموارد الخام، وتخصيص المصانع والشركات، وغزو فكري وثقافي عن طريق شاشات التلفزيون وتبديل اللغة الأم بلغات أجنبية حتى يتعذر على المواطن فهم تراثه القديم، والتحريض على تقليد الأجنبي تقليدًا أعمى والتخلي عن تراث الحضارة، وغزو الأسواق بالسلع الاستفزازية التي لا يحتاجها الفرد احتياجًا أساسيًا، وإنما يبدد عليها ماله ليزداد فقرًا وتزداد الدول الرأسمالية غنى، وهناك العديد والعديد من الأساليب…

سأكتفي بما فعلوه بالمرأة العربية وربطهم إياها أمام برامج الطهي والمسلسلات التي شوهت المفاهيم، وأعظم تشويه هو تشويه مفهوم الزواج… إلخ. إننا بحاجة إلى معرفة العدو الخفي كما يعرف العدو المُجاهر بعداوته).

علينا السعي لا النتائج

الركن الأهم في الحرب على الاحتلال والاستعمار هو أن يسعى كل فرد ليحق الحق وأن يضع نصب عينيه تأدية الواجب وحق الوطن والمشاركة بكل ما يستطيع؛ فالبعض يقول أن الحق دائما ينتصر؛ فسأنتظر أنا حتى ينتصر، أو يقول أن بلادي مذكورة في القرآن ولن يمسها سوء، فلا حاجة لها بمساعدتي، أكرر أن علينا المشاركة حتى وإن كان النصر مستحيلًا؛ لأن كل فرد منا يتوجب عليه أن ينصر الحق بدون انتظار النتائج.

تحيا المقاومة… تحيا فلسطين

اقرأ ايضاً:

ستبقى القضية حية

سفر فلسطين – المسيح بيننا

من منا يتذكر فلسطين ؟

مصعب طارق

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة