تريد الأغنام أفضل الأعشاب, وكذلك يريد الإنسان أفضل أنواع الطعام, نفس الفعل ولكن ما الفرق؟
بينما كنت في طريقي لأستقلَّ القطار مسافرًا و متوجهًا لعملي فإذا بالناس في محطة القطار يتزاحمون وتضيق عليهم أنفاس الطريق كُلٌ في طريقه و غايته، فمنهم الذاهب إلي عمله و منهم العائد الذي قد أنهكته ساعات العمل الطوال و منهم من أشغلته الهموم بأثقالها و أعبائها ، فبينما كنت أنتظر القطار إذا به يأتي و إذا بجلوسي يكون بجوار نافذة علي يمينها الزراعات بسحرها و اخضرارها يكلِّلُها قطعان من الغنم و بقرات متفرقات على امتداد طريق السفر، كل منهم يسعى إلى طعامه، فالأغنام تسعي لتلبية غذائها بحثا عن أفضل الحشائش، و الأبقار صار الطعام رأسها انهماكًا فيه بدأب و ودون كلل ، فإذا بين المشهدين من التشابه و التجانس الكثير، فكل منهما يسعي لطلب الرزق مُجدّا و مجتهدا فيسأل قلبي كيف هذا ؟! فإذا بعقلي يشارك نفسي غيرة و تعاليا كيف لهذا أن يكون ؟!
هل وجود العقل كافي ؟
فتأملت و التفت إلي أن مائزي هو عقلي و لكن كيف ؟! و قد صار كل منا يسعي ليومه، أين هذا الفخر و التعالي على سائر الدواب؟!
فما أنا إلا واحد منهم، و لكن كيف لي أن أستسلم فوجود العقل يبدو أنه لا يكون كافيا، بل إنه قد يكون مسيِّرًا له لإشباع ملذاته الحيوانية بشكل أكثر تسافلا، بل إن تمايزي الحقيقي في استعماله و بأن يحكم عقلي أمري و شؤوني، فإن كان عقلي هو أمري و نبع غايتي صار فعلي رُقيّي و رفعتي، و إن كان العكس كنت أنا ربما إحدى تلك الدواب التي تهيم علي سطح براريها و قفارها.
و لكن هل عقلي يكفي؟ أليس من لوازمه أن أبحث من أنا ؟! و ما غايتي ؟!
فلربما أقوم بفعلين متطابقين في يومي ، و لكن بينهما ما بين السموات و الأرض، فقد نري فتاة تعمل من أجل أن تشتري زيا جديداً ، وأخرى من أجل أن تعول أسرتها فنكن لها الاحترام لما تكسبه من عرقها الحلال، فبين الفعلين ما بينهما من الاختلاف و نظرة الإجلال، و قد اكتسب الفعل الثاني شرفه لا من العمل فهو العامل المشترك بين الفعلين، و لكن يكمن الاختلاف في الغاية من هذا الفعل .
فقد يتساءل الإنسان لماذا أنا هنا؟ و ماذا أفعل؟ و لماذا لا أنهي تلك الحياة؟
تتشابه الأفعال ولكن..
فهذه القضايا قد أرّقت الإنسانية منذ الخليقة و قد كانت نقطة من نقاط انطلاق الفلسفة و البحث منذ القدم أنا من أكون ؟! فصار الإنسان منذ الخليقة يبحث كالعطشان في لهفته ، و من لم يكلف نفسه بالعناء يخلق من وجوده غاية و إن كانت وهمية بانتماء عرقي و ربما حتى كروي لأحد الفرق و الأندية ويسخّر أيامه و لياليه لمتابعتها و إنفاق المال و الجهد من أجل أن يشعر بغاية من وجوده، وقد يلجأ الكثير إلي السعي للقمة العيش و التناكج و إنجاب الأبناء فيصبحون بوجودهم و حاجتهم له غاية تعطي له قيمة لوجوده، و لكن مع نُبل تلك الغاية فهل هي كافية لأن تكون وحدها هي غايتي ومعني وجودي؟ وهل من المناسب أن يكون هذا سببا لانشغالي عن البحث و إضفاء معنًى لحياتي و معزيًّا لوحدتي ؟!
فقد نتشابه في الكثير من الأفعال مع بني جلدتنا و غيرهم ولكن تمايز بعضنا عن بعض بالانطلاق و الغاية .
من أنت ؟ وما غايتي ؟
فابحث عن غاية لوجودك فمن أنت ؟
و من أين أتيت ؟ و إلى أين ؟
و بناء عليه حدد طريق سعادتك
فابحث عنها و أضف لوجودك و أفعالك غاية نبيلة و شريفة تسمو بك و توصلك لكمالك و رفعتك.
فابدأ رحلتك مستعينا بالتجرد والإنصاف في البحث دون أي أهواء تقيدك و متسلحا بالعقل و بالتفكير المنطقي للبحث عن غايتك .
فأنت من تكون؟!
أقرأ ايضاً … أنا مين فيهم ؟
أقرأ ايضاً … نعم أنا متشكك
أقرأ ايضاً … عندما نتآكل من الداخل
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.