محمد صلاح… الرأي والرأي الآخر
شعبية محمد صلاح
الشوارع شبه خاوية في القرى، والمدن لا يبدو عليها زحامها المعهود… سائق الميكروباص يتساءل بدهشة هو فيه حظر تجوال ولا إيه؟ فيجيبه الركاب قبل أن يرتد إليه طرفه: الناس هتتفرج على محمد صلاح يا سطى!
دي الحاجة الوحيدة اللي بتهون علينا، بعد مداخلات سيات المستشار!
طب على الأقل ده مستشار يعني بيعمل حاجة مفيدة!
ياسطى وحياة أبوك، انزل هنا أرجوك!
****
أصحاب المقاهي يتهيأون لما يشبه فرح ابن العمدة، ينشرون النشارة الملونة على الأرض، يضعون عدة شاشات لمباراة واحدة وليس مباريات متنوعة في توقيت واحد، يؤجرون أضعاف الكراسي من أصحاب الفراشات، لأن العدد المتوقع وصوله أكبر بكثير من سعة الكافيتريا… الحدث: مباراة لمحمد صلاح الساعة الواحدة ظهرا في الدوري الإنجليزي لفريقه الذي لا ينافس على المركز الأول!
****
الاتحاد المصري لكرة القدم يقوم بتغيير مواعيد مباراتي الأهلى وبتروجت، والزمالك مع الأسيوطي، المحددة سلفا، من أجل إتاحة الفرصة أمام جماهير الفريقين لمتابعة نجمهم المفضل (لاعب المقاولين السابق) محمد صلاح في حفل رابطة اللاعبين المحترفين لاختيار أفضل لاعب في إنجلترا لعام 2018 بالعاصمة الإنجليزية “لندن”.
شعبية لا يضاهيها أحد بمصر حتى أن هداف إفريقيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم كان رقما مهما في انتخابات لم يترشح لها أصلا!
فضلا عن فوزه بكافة الاستفتاءات العالمية التي يترشح لها بمجرد معرفة المصوتين المصريين بوجود اسمه ضمن الأسماء!
تأثير الرموز المجتمع
تفاعل الناس معه من أصغر طفل يطلب من أبيه أن يكون طقم العيد له قميص صاحب الرقم 10 محمد صلاح لمنتخب مصر، ومن صرخة جوووول التي تهز كل مدينة مصرية بأكثر مما ستسمعه في مدينة ليفربول نفسها، يقول لنا أن تفاعل الناس مع حلم محمد صلاح يبدو وكأنه أمر شخصي لكل واحد منهم! ناهيك عن نظرة الكثيرين له باعتباره راعي البسطاء والمرضى والمحتاجين وحكاياتهم عن مساعداته لتزويج الشباب وإنشائه للمشاريع الخيرية.
يبدو أن ابن قرية جريج محمد صلاح قد اقنع الناس بشكل عملي أن المستحيل في عقول الناس، يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، بل إن رسالته تلك لم تنفذ في أوساط الرياضيين والصغار والشباب فحسب، بل تعدى الأمر بعد حملته الإعلانية “أنت أقوى من المخدرات” ليزداد الطلب على العلاج من الإدمان بنسبة 400% ، الأمر بسيط فالناس ستتفاعل مع الصادق الذي تتشابه أقواله مع أفعاله، ولن يعير عقلهم الباطن أي اهتمام لفنان ينشر البلطجة والإسفاف في أفلامه، ثم يتمثل بالقيم والأخلاق في إعلانه!
ميدان النخب مفتوح للجميع
بالطبع سيرى بعض الناس من غير المنفسنيين أو الحاقدين، بل من حاملي الأهداف النبيلة والرسائل السامية وناشري الوعي أن هذه الأمور ما هي إلا أفورة، وإنه لمن الجهل وضيق العقول أن تنحسر أحلام الناس لتصبح قدما على المستطيل الأخضر، بل ينبغي أن تكون القدوات والمثل من العلماء والمفكرين فحسب!
اقتنع بما شئت فكل حر في اختياره واهتماماته، ولكن إن أردت للناس أن يرتقوا كما تحب، فلا تهدم على الناس معابدهم حتى وإن كانت بالية ولا تلعن اهتماماتهم حتى لو كانت ناقصة، ولا تصف رغباتهم بسفاسف الأمور، حتى وإن اعتقدت أن جَدَّهُم هَزلًا، وهَزْلَهُم جدًّا، وأن لَعِبَهُم عَمَلا وعَمَلَهم لَعِبًا، فخير من أن تلعن الظلام أشعل شمعة، وبدلا من أن تحطم المثل والقدوات التي لا تراها نافعة،
ابنِ لهم منارات تحكي عن سير الأفذاذ من الفلاسفة والعلماء والمقاومين، بلغة يفقهونها وتمس حاضرهم وواقعم الحي، ولا تكن غريبا بين الناس، فليس هؤلاء هم الغرباء الممدوحون، بل ربما يراك الناس حينها من المتنطعين الجاهلين؛ وميدان النخب يحتاج أن يفد إليه المتميزون من كل فج عميق، فلا تُقصر النخب على لون واحد، فالإنسانية تحتاج للّاعب صاحب الرسالة وللفنان صاحب الفكر البناء، وللعلماء المجددين، وللكتاب المبدعين المصلحين، ولدعاة من كل دين تحرك ألسنتهم أوجاع الناس البدنية وأسقامهم الروحية…
فلنفتح آفاقنا، ولننحي التعصب قلوبنا، فلن تكون خائنا لأبو تريكة لو رفعت قدرمحمد صلاح، ولا تحلق في سماء نجم ليفربول لتتطاول على أمير القلوب، فوقتها ستتطاول وتتطاول ولكنك لن تجد في النهاية سوى سقفا يشج نواياك غير البريئة “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
اقرأ أيضاً: