مقالاتقضايا شبابية - مقالات

لماذا نتزوج؟ 7 مقدمات لفهم المشاعر بشكل أفضل

لا يخفى علينا الدور الهام للعواطف و المشاعر وللحب في حياتنا بشكل عام، وفي الزواج بشكل خاص؛ سواء كدافع أو سبب لاختيار شريك معين، أو غاية يطلبها الفردان عند تعاملهما.

سبع مقدمات في موضع  فهم مشاعر

فما هو موضع المشاعر في التصور العقلي السابق طرحه في المقالين السابقين؟ الإجابة على هذا أيضا تحتاج إلى مقدمات:

المقدمة الأولى: سبق الإشارة إليها وهي أن للنفس الإنسانية ثلاث قوى محركة: الشهوة والغضب والعقل. ويعتبر العقل هو المميز له عن باقي الكائنات في هذا العالم الدنيوي.

المقدمة الثانية: سبق الإشارة إليها أيضا؛ وهي أن سعادة الإنسان الحقيقية هي تلك العقلية والروحية، وذلك لأن القوة العقلية أعلى وأشرف قوى الإنسان، وهي المميزة له، وهي الباقية معه أبدًا. وهذه السعادة تكون في رقي الروح والعقل، أي في القرب من مبدأ الوجود سبحانه، وذلك عن طريق العلم الحق والعمل الخيّر، والعمل الخير هو ذلك الناتج عن تحكم العقل-المدرك للحسن والقبيح-في باقي قوى الإنسان الشهوية والغضبية.

المقدمة الثالثة: هي أن المشاعر والعواطف هي هيئات أو حالات نفسية، تحضر وتعرض وتحدث للنفس لأسباب مختلفة، وتشعر بها النفس عن طريق الحس الباطني أو العلم الحضوري، وهذه المشاعر ناتجة عن قوى النفس السابقة -أي الشهوة والغضب والعقل- وميلها وانفعالها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المقدمة الرابعة: إن كل قوة من القوى السابقة تطلب ما فيه كمالها، وينشأ عن ذلك حضور مشاعر الميل والاحتياج والرغبة في الشيء المؤدي لهذا الكمال. كما تطلب البعد عما فيه نقصها؛ فيؤدي ذلك لمشاعر النفور منه. وعندما يدرك الإنسان ويتصور حضور شيء فيه كماله من حيث هو جميل يبتهج بهذا الإدراك، وهذا الابتهاج هو #الحب، وإذا زاد سمي عشقا، وإذا كان المحبوب غائبا بشكل ما أيضا كان شوقا. والكره هو الجهة المقابلة لذلك. فأول نوع من أنواع المشاعر هي مشاعر الميل والنفور.

المقدمة الخامسة: إن إدراك الإنسان لما فيه كمال هذه القوى ثم قيامه بالسلوكيات التي تؤدي لنيله وحصوله على ما فيه كمالها يؤدي لمشاعر اللذة والسعادة. وفوات ما فيه هذا الكمال يؤدي للألم والشقاء والحزن. فالنوع الثاني من المشاعر هي مشاعر اللذة والألم.

المقدمة السادسة: إن اللذات العقلية والروحية هي لذات مجردة عن المادة وعن الزمان والمكان، بينما الجسدية فمحدودة بالمكان والزمان، والعقلية أكثر عددا من الحسية المنحصرة في أمور قليلة، وهي خالصة عن شوب الحس والوهم ومتصلة بحقيقة الشيء وماهيته، ونتائجها على الإنسان في هذه الحياة وما بعدها هو الخير كل الخير والكمال كل الكمال؛ على عكس تلك الحسية. لذلك كله كانت اللذات العقلية والروحية والخلقية أقوى وأرقى وأنبل، بل وأكثر أثرا وعمرا وأعظم نتيجة.

المقدمة السابعة: إننا لا نحتاج إلى رؤى تنكر الجانب العاطفي في الإنسان أو تحتقره وتقضي عليه تماما، مع استحالة ذلك طبعا لأنه راجع لماهية الإنسان وحقيقته. كما أننا أيضا لا نحتاج إلى رؤى تقدس المشاعر والعاطفة وتجعلهم مقدمين على كل شيء!

إننا ببساطة نبحث عن الرؤية التي تصف حقيقة الإنسان وواقعه، دون تجميل أو تقبيح، دون زيادة أو نقصان، بل تبحث عن الحق لذاته. فتبحث عن السعادة الحقيقية للإنسان، وبناء عليها يمكننا أن نتصرف بالشكل الأفضل وننال ما فيه سعادتنا حقا.

معادلة المشاعر

وبناء على ما سبق نحاول الإجابة على السؤال المطروح في بداية هذا المقال: ما موقع المشاعر من المعادلة؟

إن مشاعر الميل والاحتياج والرغبة فيما فيه كمال القوى الإنسانية المختلفة هي مشاعر طبيعية ومحركة للإنسان كما سبق. ومنها الميول الشهوية للجنس الآخر، فهي مشاعر طبيعية في الإنسان، ومنها أيضا المشاعر المتمثلة في الحاجة للحب والاهتمام، ومشاعر التعلق بإنسان ما وحبه حبا مبدئيا، وهذا النوع من المشاعر هو جزء من الدوافع الفردية التي تدفع الإنسان للزواج.

لكن بسبب تنوع القوى المحركة للإنسان فقد يكون ما فيه كمال شهوي له؛ فيه نقص وشر حقيقي له يحكم به العقل. لذلك ينبغي أن يتحرك الإنسان كما سبق نحو الكمالات الحقيقية أي التي يشخصها العقل وليس نحو ما تميل له الشهوة فقط. فالشهوة قد تشتهي في الطرف الآخر جمالًا ظاهريًا جسديًا معينًا؛ إلا أن الجمال الظاهري دون أي أخلاق مثلًا سيؤدي لتعاسة الطرفين، فالزيجات والارتباطات الطويلة بين البشر مليئة بالمعاملات والمواقف التي تحتاج إلى جانب أخلاقي عال وضبط للنفس، وإلا سيشقى الطرفان. فاللذة الناتجة عن هذه الشهوة سرعان ما سيعقبها ألم شديد وشقاء، بينما اللذة الناتجة عن توجيه العقل للشهوة لن يعقبها هذا الألم، واللذات العقلية الحقيقية ستستمر.

وللإنسان القدرة على التحكم في المشاعر وتوجيهها والسيطرة عليها عن طريق العقل وذلك بتربية نفسه ومجاهدتها، أي التدرب على تحكم العقل في الشهوة والغضب؛ لكيلا يكونان سببا في تعاسته أو قيامه بأمور تخالف ما ثبت له صحته أو خيريته بالعقل.

أما مشاعر اللذة فهي ناتجة عن الحصول على ما فيه كمال كما سبق؛ مثل التواصل مع الشريك الآخر، فهي تحدث بعد السلوك الاختياري للإنسان، وأيضا إن كان هذا السلوك خيريا ومبني على مقدمات صحيحة فتكون هذه المشاعر خيرا له والعكس صحيح أيضا.

فاللذة ينالها الإنسان بسلوكه الاختياري، واللذة الحقيقية هي الناتجة عن سلوك اختياري موجه بالعقل في الاتجاه الصحيح، وليست هي محض الميل الشهواني الطبيعي غير الاختياري قصير العمر. وكون العقل موجهًا لها يحتاج لإدراك أو معرفة ما فيه سعادته فعلا، ثم يتبع ذلك بالعمل والسلوك. فالمشاعر العذبة حقيقة تحتاج لمعرفة صحيحة وسلوك صحيح، أي لجهد يبذل، وإلا عم الشقاء الطرفين، وهي تزيد وتتجدد بازدياد وتجدد هذا الجهد المبذول في الاتجاه الصحيح.

فالحب والمشاعر إن كانت في طول الكمال الحقيقي للإنسان، والمتعلق بالقرب من مبدأ الوجود؛ فإنه يصبح حبا مثمرا وحقيقيا، ومحققا لسعادة الإنسان الحقيقية وكماله في هذه الحياة وما بعدها.

وبذلك تكون مشاعر الإنسان راقية وسامية، وحبه لشريك حياته في طول الحب الحقيقي، فيسمو ذلك بالإنسان وشريك حياته، ويقربهما من مصدر السعادة الحقة، ويساعدهما على التوجه للعشق الأكبر، عشق واجب الوجود ومصدر كل جمال ومحب الجمال سبحانه.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

أحمد عزت

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا