لأن الزواج الحلال أجمل، لا تنتظر! ثواني، عايزة بكام مهر؟؟!
إحصائية مخيفة عن الزواج
وقعت عيني على إحصاءات منسوبة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بمصر تشير إلى أن ثلاثة عشر ونصف مليون مواطن تخطوا حاجز الثلاثين عاما دون أن يصلوا الى الزواج الناجح ، منهم مليونان ونصف شاب وأحد عشر مليون آنسة!
وعند البحث عن مصدر هذه الإحصاءات اتضح أنها لم تصدر عن الجهاز المذكور، وتم التشكيك في صحتها.
لكن حتى وإن لم تكن الإحصاءات صحيحة فلا ينفي هذا انتشار ظاهرة تأخر الزواج الناجح في مجتمعاتنا بدرجة كبيرة، ويعود السبب الأساسي لهذا التأخر إلى المغالاة الشديدة في المتطلبات المادية للزواج، إلى حد تعجيز كثير من الشباب عنه، وقد ذكّرني هذا كله بحملة انتشرت في وقت سابق على شبكات التواصل الاجتماعي بعنوان: «لأن الحلال أجمل سأنتظر!» فهل هذا الانتظار مطلوب وصحيح؟
اعتمدت الحملة المذكورة على فهم معين للدين وللنصوص الدينية، وانطلقت من هذا الفهم كي تكوّن رؤيتها عن الواقع من حولها، ثم اتخذت قرارات حياتية معينة وهي انتظار الزواج المتأخر لكي يصبح الزواج الناجح . وهذا يذكّرنا بفكرة مركزية في الفلسفة والعلوم العقلية وهي أن طريقة البحث والتفكير تترتب عليها رؤيتك للواقع، ثم في النهاية قراراتك وأفعالك. وبتغيير طريقة البحث تتغير الرؤية والقرارات والأفعال بالتبعية، وإن اتبعت المنهج السليم في البحث والتفكير فستكوّن بالتبعية رؤية صحيحة وسلوكيات فاضلة.
هل طريقة البحث والتفكير التي اعتمدت عليها الحملة المذكورة سليمة لتحقيق الزواج الناجح ؟
عند العودة للنصوص الدينية التي اعتمدت عليها الحملة نجد أنها لم تدع «للانتظار» في الزواج إلا في حالات محدودة، بل على العكس ترغب فيه وتحث عليه، وتدعو للتعجيل فيه وتيسيره! وإذا رجعنا مرة أخرى لنفس النصوص الدينية المذكورة سنجد أنها تنهى عن الإسراف والتبذير في الماديات بشكل عام، وفي تلك الخاصة بالزواج بشكل خاص، بل وتربط الزواج بالخلق والدين فقط، وتشير إلى أن الزيجات الأكثر بركة هي الأقل مهرًا.
كانت الحملة المذكورة تحاول أن تفعل ما تعتقده صوابا، وتدافع عن قيم العفة في زمن كثر فيه التهتك المذموم عقلا، وهذا كله جميل، لكن الحملة لم تضع يدها على الإشكال الحقيقي، ألا وهي المطالب المادية غير المنطقية في منظومة الزواج في مجتمعاتنا، والمبنية بالتبعية على توغل واستفحال الرؤى المادية في المجتمع، وفي نفوس وعقول أبنائه.
كيف يمكن النظر للمسألة إذن بشكل سليم؟ كما قلنا يعتمد هذا على استخدام طريقة سليمة للبحث والتفكير، فما هذه الطريقة وكيف نصل لها؟
يمكن الحديث كثيرا عن هذه الطريقة في مواضع أخرى، لكن نكتفي هنا بشكل عام بوصفها بأنها طريقة تعتمد على قواعد المنطق في كل خطوة، وتنطلق من الأمور الواضحة بذاتها التي لا تحتاج توضيحًا أو دليلًا، وتبني عليها، وهذه الأمور الواضحة هي التي تسمى بالبديهيات. وسنورد هنا بعض نتائج هذه الطريقة في موضوع الزواج، أما التفاصيل فقد تم التطرق لها في مناسبات أخرى.
بشكل عام من الواضح أن للإنسان احتياجات مختلفة، بعضها احتياجات جسدية كالأكل والشرب والنكاح، وبعضها معنوي وروحي كأن يكون له غاية وهدف وأن يفهم سبب وجوده ومن أين جاء، وإلى أين الذهاب، وأن يؤمن بقضية ما وأن تكون سلوكياته متوافقة مع ضميره.
الاحتياجات الإنسانية
ومن الواضح أن الاحتياجات الجسدية يكفي الإنسان منها في الحقيقة أقل القليل، فبعض اللقيمات من أي غذاء كافية له وبالمثل في الشراب والملبس والمسكن والنكاح. وهذه الاحتياجات لا يمكن للإنسان أن يكبتها تماما أو يعدمها، فإعدامها فيه هلاكه، كما أن الإسراف فيها ينعكس بنتائج سلبية عليه، فالإسراف في الأكل والشرب مثلا يؤدي لأمراض كثيرة، وفي سبل الرفاهية يؤدي لأمراض أخرى، وبالتالي فإن المطلوب هو توفير الحد الذي يقيم الحياة، وعدم الإسراف.
أما على صعيد الاحتياجات المعنوية فمن الواضح أن لكل شيء حادث سببا، وإلا لم يكن هذا الشيء ليحدث، وبالتالي فحدوث الكون والحياة لا بد له من مسبب. ولأن من ينقصه كمال ما، يستحيل أن يصدر عنه نتائج هذا الكمال؛ إذن مسبب الكون متصف بصفات الكمال على نحو أتم من الموجودة به في الكون، فهو عالم قادر مريد حي، وبشكل مجمل كامل مطلقا. وقد ثبت بطرق مختلفة منها التواتر وجود رسالات أرسلها سبحانه فيها تفاصيل لهداية البشر.
ومن الواضح أن الإنسان يحتاج للآخرين من أجل تلبية احتياجاته سواء الجسدية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن، فقلما يستطيع أن يدبر ذلك كله وحده على الدوام، ويحتاج للآخرين أيضا لتلبية احتياجاته المعنوية مثل طلب العلم والتربية، فمثلا لا يستطيع إنسان وحده أن يحصّل نصيبا وافرا من العلم دون الاستعانة بالآخرين وبمن سبقوه، بل بدون الآخرين يهلك الإنسان وتهلك البشرية جمعاء.
وشهوة النكاح هي إحدى الاحتياجات الجسدية للإنسان، ويدلنا العقل على أن الواجب فيها الاعتدال أيضا لا التجاهل التام ولا الغرق في اللذات الشهوية. لكن مقدار هذا الاعتدال من الصعب تحديده بالعقل وحده، لكن العقل أرشد للإله وتعاليمه، فنأخذ تفاصيل الاعتدال من هذه التعاليم، لا عن طريق فهمها بالهوى كما نفعل اليوم، بل بفهم لا يتعارض مع ما ثبت بالعقل أو مع نصوص أخرى صحيحة.
التوافق الضروري لتحقيق الزواج الناجح
وإذا كان سيترتب على ذلك ارتباط طويل الأمد بشخص آخر؛ فمن الواضح أن العلاقات القريبة بين شخصين تكون شديدة الصعوبة إن كانا مختلفين فكريا، ففي كل موقف سيكون لكل منهما رأي مخالف للآخر وسلوك مباين لما يريد. أيضا ستكون شديدة الصعوبة بل مستحيلة تقريبا إن كانا بلا أخلاق، ففي كل موقف اختلاف ستنشأ مشكلة وستتطور بسبب انعدام الوازع الأخلاقي والضمير، كما أن ضغوط الحياة إن لم يصحبها خلق قويم فستؤدي بصاحبها إلى الانفجار وإيذاء نفسه ومن حوله، وبشكل عام إن لم يتحل الشخصان بقدر كاف من الأخلاق فقد تتحول الحياة لصراع دائم أو خيانة دائمة وجحيم لا ينقطع ولا يطاق.
وبالتالي فالمواصفات الأهم لمثل هذه العلاقات هي التوافق الفكري والحسن الأخلاقي بقدر كاف. وإذا تذكرنا أن الاحتياجات الجسدية والمادية يكفي منها أقل القليل في الحقيقة؛ فإن الوصفة للزواج ستختلف كثيرا عن الوصفات المقدمة في مجتمعاتنا حاليا أو في مجتمعات أخرى، وفي هذه الحالة لا داعي للانتظار إلا إن كانت هذه الوصفة نفسها غير متوفرة، ففي هذه الحالة يجب عقلا الانتظار.
فإن وجدت هذه الوصفة فلا تنتظر!
اقرأ أيضا:
يعني اية تربية ؟ ( الجزء الأول ) – ما المقصود بالتربية ؟ وما هو تأثير القدوة ؟
جبت إيه لحماتك؟ – معاناة العروسة وأهلها مع تقاليد المجتمع
الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.